شريط الأخبار

منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة.. عشرون عاماً من التهويل والمبالغة

منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة.. عشرون عاماً من التهويل والمبالغة
كرمالكم :  
المهندس سليم البطاينة
عند الحديث عن منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة لا بد للحديث أن يكون واقعياً بعيداً عن التهويل والمبالغة، وأن يتم البحث جيداً عن أسباب فشل تلك التجربة.. فكثيراً من الأردنيين يتناولون هذه الأيام تقييم منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة وماذا حققت للأردن أو حتى لمحيطها الجغرافي؟
فبعد مرور عشرون عاماً على تحويل العقبة إلى منطقة خاصة يحق لنا التساؤل هل فعلا تحققت الطموحات والأهداف التي من أجلها خضنا تلك التجربة؟ وهل تطورت مدينة العقبة وارتقت لمستوى المدن العالمية؟ وهل تم احتضان استثمارات ونشاطات إقتصادية من الخارج؟ وهل عملت العقبة أو ساعدت برفع معدل النمو الإقتصادي للدولة ؟وهل مطارها ومينائها أصبحا بوابة لوجستية للتجارة بين الشرق والغرب؟ وهل هي الآن وجهة سياحية عالمية وبوابة للتجارة والإستثمار وانموذجاً للتنمية المستدامة؟ وهل نتج عن تلك التجربة خلق فرص عمل حقيقية؟
كلها أسئلة مشروعة.. فالواقع الحالي يقول أن قصة منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة كانت قصة مخيبة للآمال.. وأن المشروع لم يحظى بدراسات جدوى اقتصادية صحيحة .. مما يعني أن دورها كان محدود الأثر ولم تستطع العقبة الخاصة تحقيق نمو وازدهار اقتصادي.
فلا يعقل أن بلداً كالأردن لا يوجد فيه سوى منفذ بحري واحد بشاطئ قصير يتم تمليكه للقطاع الخاص.
ففي عام ٢٠٠٨ نشر البنك الدولي دراسة حول منطقة العقبة الخاصة قال فيها أنها لم تحقق النتائج المرجوة من تحويلها إلى منطقة خاصة .. ولم تحقق أي نجاح في استقطاب وإقامة نشاطات صناعية تصديرية تساهم في رفع معدل النمو الإقتصادي وتخلق فرصاً للعمل وفي استقطاب مشاريع كبرى يحتذى بها.
فالسياحة على سبيل المثال في المنطقة الخاصة ما زالت في أضعف حالاتها ، حيث أن المواطن الأردني يختار الذهاب إلى شرم الشيخ وطابا وتركيا لأنها أقل كلفة عليه .. فهناك رحلات بالطائرة ذهاباً وإياباً إلى تركيا أو شرم الشيخ تتضمن قضاء أربعة أيام تقل عن ١٧٠ دينار .. الأمر الذي يغري الأردنيين.
فخلال العشرة سنوات الأولى من عمر المنطقة الخاصة أنفقت السلطة مليار دولار من خزينة الدولة ومن المساعدات الأجنبية من الدول المانحة والتي تم تقديمها للعقبة الخاصة.
فالذي يحدث وحدث في منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة أنه تم إغراق أسواقها بالبضائع والسلع ذات الجودة المتدنية .. فقد تدفقت المنتجات المستوردة ذات مواصفات رديئة من المواد الغذائية والكهربائية والألبسة والأثاث والأدوية .. الخ مما تسبب بخسائر مادية للمواطنين.
فكما هو معروف أن المناطق الإقتصادية الخاصة تقوم بتنمية وتنويع قاعدة التجارة والصادرات وخلق فرص عمل وجذب الصناعات والإستثمارات وهذا لم تحققه منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة.
فهناك من بين كل أربع دول في العالم لديها منطقة اقتصادية خاصة واحدة على الأقل .. حيث وصل مجموع تلك المناطق إلى ٤٣٠٠ منطقة اقتصادية خاصة.
فقبل شهر من الآن نشرت وكالة Bloomberg News أن أكثر من ٦٨ مليون فرصة عمل مباشرة كانت من خلال المناطق الإقتصادية الخاصة في ١٣٠ دولة في العالم.
وعندما نبحث نرى أن هناك الكثير من قصص النجاح لمناطق اقتصادية خاصة في العالم .. لعل أشهرها المنطقة الموجودة في مدينة Shenzhen والتي تقع جنوبي الصين بالقرب من هونكونج والتي أنشأت عام ١٩٨٥ حيث مكنت القادة الصينين من تجربة الإصلاحات الإقتصادية التي كان يخشى تنفيذها على مستوى البلاد مرة واحدة.
فقد نجحت Shenzhen في جذب آلاف المستثمرين والشركات وأصبحت ساحة اختبار للرأسمالية في الصين .. وتحولت من بلدة يسكنها ٣٠ ألف صياد إلى مدينة يقطنها اليوم ١٨ مليون شخص .. فقد تم اعتبارها مسقط رأس المعجزة الإقتصادية الصينية.
ومن قصص النجاح الأخرى هي كوريا الجنوبية التي أنشأت العديد من المناطق الإقتصادية الناجحة.
فمنطقة Masan للتجارة الحرة إحدى أنجح المناطق الإقتصادية الخاصة في العالم حيث حرصت الحكومة الكورية على تأسيس علاقات متناغمة بين شركات التكنولوجيا العالمية مثل Nokia و Sony و Sanyo و Panasonic وبين الشركات المحلية مما ساعد على نقل التكنولوجيا إلى السوق المحلي والذي نتج عنه خلق فرص عمل كثيرة.
فلدينا في الأردن حالياً أنماط وأسماء مختلفة لمناطق اقتصادية مثل المناطق التنموية والمدن الصناعية والمناطق الحرة العامة والخاصة … الأمر الذي يستدعي بجرأة تقييم كل منها.
فغالبية خططنا الإقتصادية والتنموية والإستثمارية للأسف وضعت دون رؤية واضحة وكانت تدور في فلك الأحلام والأمنيات.
فنجاح أو فشل أي منطقة اقتصادية أو تنموية يرتبط بسياساتها وإطارها التحفيزي والتشريعي .. فغياب دراسات الجدوى الإقتصادية أفشل الكثير من المناطق الإقتصادية الخاصة في مختلف دول العالم كما حصل في فيتنام.
فالأردن يحتاج أن يستفيد من تجارب الدول التي واجهت ظروفاً تنموية صعبة وعانت من تعثر وتذبذب في معدل نموها الإقتصادي ومن اتساع دائرة الفقر وتفشي البطالة لديها.
فالتجارب الأردنية مع الخطط الإقتصادية مريرة جداً ولا زالت مشكلة اقتصادنا الرئيسية هي قلة الإنتاج ، وبلا أي تردد يمكننا القول أن تجربة منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة فشلت ولم تحقق رؤية وطموحات الملك.
نائب اردني سابق

مواضيع قد تهمك