شريط الأخبار

مقامات الصحابة وطريق الجنوب..

مقامات الصحابة وطريق الجنوب..
كرمالكم :  
محمد حسن التل
قبل سنوات، زرت موقع معركة مؤتة في محافظة الكرك، أذكر يومها أنني رأيت العجب في إهمال هذا الموقع التاريخي الذي دارت عليه أهم معارك الإسلام وكانت السهم الأول له خارج جزيرة العرب، وأذكر أنني طلبت من الزميل مندوب الدستور في الكرك آنذاك إجراء تحقيق صحفي عن الوضع المزري لهذا الموقع الهام، حيث كان عبارة عن أرض مفتوحة تملؤها النفايات وزجاجات المشروبات المختلفة، ولا يوجد أي إشارة أبدا إلى ماهية هذا الموقع.
يومها وكالعادة قامت الدنيا ولم تقعد علينا في الدستور من الجهات ذات المسؤولية وكلها تنصلت من مسؤوليتها عن الموضوع، وللحق، فإن بعض الإجراءات البسيطة اتخذت إزاء الموقع وإن لم ترتق إلى مستوى أهميته.
أمس الأول، توجهت إلى مؤتة حيث مقامات الصحابة الكرام رغبة في صلاة الجمعة هناك وزيارة الأضرحة الشريفة، وللأسف، وقبل أن أصل إلى المقامات، مررت على موقع معركة مؤتة، وما صدمني أن الموقع ما زال على حاله منذ سنوات طويلة، حيث الإهمال الواضح وعدم تقدير أهميته.. والسؤال الكبير، لماذا هذا الإصرار على إهمال هذا الموقع، رغم أن الجميع يطالب بإعادة تأهيله بما يتناسب مع أهميته التاريخية؟ هل من المعقول أن يكون بجانب موقع مؤتة مكبا للأنقاض، وعلى أرضه نفايات من كل الأنواع؟
وعندما وصلت مكان المقامات ذات البناء العظيم كما أراده الملك، أقل ما يقال عن المنطقة المحيطة به أنها غير مناسبة ولا تليق بهذا المكان، والراقدون فيه ثلة من الصحابة العظام، ومن أعظم قادة الإسلام والمسلمين وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقربهم إليه خُلقا وخَلقا، وزيد بن حارثة، حِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة وهو واحد من كبراء الصحابة، وهم الذين أطلقوا السهم الأول لتحرير الشام من سطوة الرومان...
المنطقة الملاصقة لهذه المقامات للأسف مليئة بمحلات الخضار ومحلات بيع الدجاج وورشات الحدادة والنجارة، وكثير من المحلات التي لا تناسب المقام الروحاني الذي يجب أن يكون متوفرا هناك. السؤال هنا: أين وزارتي الأوقاف والسياحة؟ ولماذا تسكتان عن هذا الوضع إزاء كنز ديني وتاريخي وسياحي؟ لو تم استغلاله جيدا لرفد الدخل القومي بمئات الملايين كواجهة سياحية لعظمته عند المسلمين في أنحاء الأرض.
يتحدثون عن أهمية السياحة لدينا ويسهبوا في ذلك، لكننا لا نرى شيئا على أرض الواقع كما يجب. لدينا في الأردن مئات المواقع التاريخية والدينية، ونكاد نكون من أوائل الدول التي تملك مثل هذه الثروة عددًا وكمية، ولكن ربما سوء التخطيط وضعف القرار يؤدي إلى عدم استغلال هذه الثروة للصالح العام...
أردننا جنة، نعم أردننا جنة، ليس فقط بسهوله وصحرائه وخضرته وجباله، أردننا جنة بمئات المواقع التاريخية والدينية التي تشير إلى أهمية الأردن التاريخية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، لكل هذا يجب إعادة النظر وبسرعة بكيفية إعادة تأهيل هذه المواقع من جديد واستغلالها لتكون رافدا اقتصاديا قويا للأردن، ووجهة للسياح من الداخل والخارج، ولا يجوز أن يقوم الملك ببناء كل هذه المقامات بمئات الملايين وبطريقة هندسية رائعة تليق بأصحابها، ثم تقوم الوزارات المعنية بإهمالها وعدم استغلالها استغلالا وطنيا يليق بالرغبة الملكية.
والواقع أن الحديث عن مقامات مؤتة يقودنا للحديث عن وضع معظم مدن وقرى الجنوب العظيم " بوابة الفتح والثورة" التي ما زالت لا تأخذ حقها من التنمية كما يجب. ومن أبسط الأمور، أن الطريق الممتد من عمان حتى العقبة مرورا بالكرك والطفيلة ومعان وعشرات القرى ويخدم آلاف المواطنين هناك، هل يعقل ان طريقا كهذا يزيد على 400 كيلو من الأمتار لا توجد به استراحة واحدة أو أي نوع من الخدمات التي يحتاجها المسافر على هذا الطريق يطمئن للجلوس فيها؟ لنتخيل لو أن الطريق الصحراوي الذي يربط العاصمة بالجنوب والذي أعيد تأهيله بشكل ممتاز فكر المسؤولون في تنميته من الناحية السياحية كإيجاد استراحات ومطاعم وحتى نزل، كم سيجلب تنمية إلى مدن الجنوب التي تعاني ما تعاني من سوء خدمات في معظمها رغم أنها تحتوي على معظم ثروة الأردن الطبيعية والتاريخية والسياحية، فهل من سامع؟

مواضيع قد تهمك