شريط الأخبار

أربع ساعات في دائرة المخابرات

أربع ساعات في دائرة المخابرات
كرمالكم :  
حسين الرواشدة
لم أدعَ هذه المرة لشرب "فنجان” قهوة في المخابرات العامة، كما كان يحدث ذلك أحيانا، الدعوة جاءت من "الباشا” مدير المخابرات، والمدعوون عدد من الكتاب ورؤساء تحرير الصحف اليومية، والحاضرون نخبة من رجال الدائرة، ومن نسائها أيضا.
حين دخلت المبنى راودتني أسئلة كثيرة، فالدعوة سابقة لم يعهدها الصحفيون، ربما، منذ أكثر من عقدين ونصف، قلت في نفسي: ثمة تحول كبير يفترض أن تكون وراءه أسباب عميقة ورسائل مهمة، وهذا ما حصل فعلا. استمر الحوار لأكثر من أربع ساعات، نجمه كان المدير الذي فتح عقله وقلبه لمستمعيه، وتحدث بمنطق "رجل الدولة” المدرك تماما لتفاصيل مشهدنا العام، بكل ما فيه من إنجازات وإخفاقات.
خلال السنوات العشر الماضية (منذ انطلاق الربيع العربي) خرج جيل جديد من الشباب يتحدث بلغة مختلفة، يبدو أنه كسر الكثير من الحواجز وأصبح خارج السيطرة، نحن– يقول الباشا– نفهم ذلك ويجب أن نتعامل معه بلغة جديدة، أن نستوعبه ونحاول ما استطعنا أن نفتح معه قنوات الاتصال والحوار، لنجسر الفجوة بينه وبين جيل الكبار.
يضيف: لكي ننجح في ذلك لا بد أن نقدم له النموذج الحي، سواء من الماضي وإنجازاتنا فيه، او من الحاضر وما حققنا فيه من نجاحات، من هذا الأساس ستنطلق الدائرة، ومنه أيضا يجب أن نؤسس للعلاقة بين كافة المؤسسات وبين المجتمع، استنادا الى مسطرة القانون الذي يلتزم به الجميع ويحترمه الجميع أيضا.
يسهب "الباشا” في الحديث على أرضيات يؤكد أنها صلبة، يقول: بلدنا قوي ولا نخاف عليه، الأزمات التي واجهتنا تجاوزناها بنجاح، وتعاملنا معها بمنطق التكيف أحيانا أو الاستباق او المواجهة، دور المخابرات هو الحفاظ على الأمن الداخلي والاستقرار، وفي صميم عملنا ضمان أوضاع اقتصادية ومعيشية مريحة للناس، الفقر والبطالة قد يولدان حواضن للتطرف، ولهذا نحن معنيون بالأمن الوطني الشامل، كان للدائرة دور كبير على الحدود حين داهمنا "الوباء”، وسخرت إمكانياتها البشرية والمادية لكي تظل حدودنا مفتوحة.
ماذا عن اللجنة الملكية والتحديث السياسي؟ يدخل الرجل بالموضوع، ويدقق في كل كلمة يقولها، الدائرة تؤمن بالإصلاح والديمقراطية باعتبارهما ضرورة وطنية، ولدينا قناعة تامة بمخرجات اللجنة الملكية، وسندعم الحياة الحزبية، خاصة الأحزاب الأردنية التي تحافظ على الهوية الوطنية، لم نتدخل في أعمال اللجنة، وحين وصلتنا نتائجها درسناها جيدا، ونعتقد أنها ترسم "خريطة” طريق للمستقبل السياسي، لكن بالتدرج المدروس، في المرحلة القادمة ستكون الحزبية مطلبا وطنيا، وسيحظى الاقبال عليها بدعم الجميع، والمخابرات جزء من عملية التغيير والإصلاح.
لكن ثمة "سوداوية” في المشهد العام، الثقة بمؤسسات الدولة والمجتمع تراجعت، هنا يتوقف المدير طويلا، ويدخل في التفاصيل والردود على هذا السؤال الذي يبدو واضحا أنه يشغله، لماذا حدث وكيف، وما السبيل للخروج منه؟ الوصفة التي يقدمها هي إعادة الأردني إلى "طينته” الأولى في علاقته مع بلده، الأردني إيجابي بطبعه ويعتز بوطنه ومعطاء أيضا، لا بد أن يتكاتف الجميع (يضيف) لإخراجه من حالة السواد والسلبية الى حالة الإيجابية والإحساس بالأمل، إحياء الروح الوطنية ضروري، والتركيز على المنجز مهم، وتجاوز الأخطاء مهما كانت هو الطريق الوحيد لبناء الأردن وتقدمه.
يستدير المدير ليتحدث عن "الدائرة”: نحن مؤسسة وطنية وجزء من "كل” هو الدولة الأردنية، والدائرة أنشئت بقانون (1964) ولديها مفتش عام لمراقبة أداء العاملين فيها، وفي (2018) أصدرنا منظومة السلوك الوظيفي التي تحكم عمل أفراد المخابرات، نحن منفتحون على الجميع، وعلاقتنا مع المؤسسات الرسمية والمدنية قائمة على التكامل وتقديم النصح والمشورة لاتخاذ القرار الصحيح، نطور أنفسنا بشريا وتقنيا، ونعمل باحترافية، ولدينا جهاز تدريبي على مستوى العالم.
ثم يستمر الحوار عن الإنجازات وعن مكافحة الإرهاب، وعن الحضور الاستخباري في المحيط الخارجي، الدائرة أحبطت (2019-2021) 120 مخططا إرهابيا منها 68 في دول خارج الأردن، ولنا دور في حماية مؤسساتنا من الاختراقات الإلكترونية (الأمن السيبراني)، وفي مواجهة المخدرات، ونتحوط من امتدادات التطرف التي تحاول تجنيد أبنائنا، وكشفنا العديد منها هذا العام، ونعمل بالتنسيق مع مؤسساتنا العسكرية والأمنية لضمان أفضل حالة أمنية في بلدنا.
الملفات الخارجية أيضا كانت حاضرة: ملف سورية الذي نجحنا سياسيا بفتحه، وأمنيا في حماية بلدنا من تحدياته، ملف العراق أيضا ومصالحنا هناك، حماس التي لم نغلق قنوات اتصالنا معها، أما السلطة الفلسطينية فهي عنوان "الشرعية”، ومصلحتنا أن ندعم الوفاق الفلسطيني، ونحمي الوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية ونحافظ عليها.
لم ينته الحوار مع مدير المخابرات العامة، لكن مساحة المقال انتهت، سأكمل عن انطباعاتي، وما فهمته من رسائل في المقال القادم إن شاء الله.
الغد

مواضيع قد تهمك