شريط الأخبار

وطن من قماش

وطن من قماش
كرمالكم :  
احمد حسن الزعبي
خربوش خجول قد تنحّى عن قارعة الطريق بضعة عشرات من الأمتار، مزّقته ريح العوز ، أوجعته شمس الفقر الحارقة ،عزفت على حباله كل الظروف القاسية لكنه لم يرحل ..لم يذب ..لم يكفر..لم يضجر..لم يصرخ..قال أنا وطن من قماش..تصنع منّي رايات أعلقها لحظات الفرح ، أو أكفان للراحلين إن رحلوا ..
الأم مريضة منذ18 عاماً، والأب مثل صقور الصحراء يغير بعيداً ليأتي بطعام للأولاد ، كرتونة بها كتب ، تلفون "لُكس” قديم يستخدمون ضوءه ليلاً، دفاتر مدرسية، وما يزيد من بسطة الخضار يكون غداء وعشاء للعائلة ، لا كهرباء ، لا ماء ، لا تكييف ،لا انترنت ، لا كوب نسكافيه ،لا تدفئة ، لا باب يغلق على الخصوصية ، لا شوكلانة فوق الطاولة..فالبيت لا طاولة فيه أصلاً..مع كل هذا ثمة أردني يحل على الرمل المسائل الرياضية ويتفوّق..
علاء وملاك ، ليسا من خريجي "كنجز” أكاديمي ليتم تقديمها في عيد الاستقلال كقصة نجاح ، ولا هما من مبتعثيها الى أمريكا ،لا يجالسون علية القوم ، انهم يجالسون الرمل والشوك الصحراوي ، علاء وملاك خرجوا من رحم الأرض كالكمأ..لم يدخل على ابداعهما هرمونات اجتماعية ولا مكمّلات مادية ، ولا تحسينات وتجويدات برسنيجية لتمنحهم صدارة زائفة ..هم أبناء الخيمة ، أبناء الإقصاء والتهميش ، أبناء الفقر الذي لا يلتفت إليه أحد ، أبناء الليل شديد الحرارة وقارص البرودة ، يشاهدون سيارات بزجاج أسود مظلل ومضلّل تمر مسرعة من ألأوتوستراد بعد ان كانت بمهمة رسمية للحديث عن تمكين الشباب والمشاركة السياسية..ومحاربة ثقافة العيب..وهم عبارة عن مركبات من "العيب المتحرك” نفسه..
هناك في صحراء الجنوب ، على بضع عشرات من الأمتار عن قارعة الطريق، ثمة أردني يحل على الرمل المسائل الرياضية ويتفوق…هناك في صحراء الجنوب على بضع عشرات من الأمتار..هناك أردني يسكن وطناً من قماش…يتلحفه اذا شعر بالبرد وينصبه فوق رأسه ان اشتد الحرّ…ويرسله الى ” جوشي” و”فرساتشي”..بالبريد غير المستعجل..

مواضيع قد تهمك