شريط الأخبار

الإشاعات “الصوتية المسجلة”.. “هلع” يستهدف المواطنين في الأزمات

الإشاعات “الصوتية المسجلة”.. “هلع” يستهدف المواطنين في الأزمات
كرمالكم :  

بأصوات مؤثرة والتعبير بكلمات “مقصودة” تنتشر العديد من المقاطع الصوتية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بخاصة “واتساب”، كالنار في الهشيم لتمثل صورة جديدة من أشكال الإشاعة، والتي لها وقع كبير على متلقي تلك الرسائل، وخاصة في ظل الظروف الحالية، التي تعد بيئة خصبة لانتشار الإشاعات “المغرضة وغير المسؤولة”.
مساء أول من أمس، وصل إلى هاتف هبة مقطع صوتي لسيدة تدعي أنها معلمة، وتبث بكل قوة وحدة بالصوت معلومات مغلوطة عن نية الحكومة إعلان حالة الطوارئ في المملكة، بتمثيل حالة “هلع” خطيرة وكبيرة تحدق بالمنطقة، وذلك من خلال إمكانية حدوث تهافت على المواد الغذائية، وإغلاق المدارس والجامعات، والكثير من المبالغات التي لا تمت للواقع بصلة.
هبة سرعان ما قامت بإعادة إرسال تلك الرسالة لأفراد عائلتها والأصدقاء عبر “واتساب”، مطالبة الجميع بسماعها والحذر من تلك المعلومات، بيد أن العديد رأى أن في ذلك مبالغة، وعدم مصداقية، مطالبين بعضهم بضرورة الانتظار وتقصي الحقيقة، ليتبين فيما بعد أن تلك الرسالة هي عبارة عن إشاعة صادرة عن سيدة غير مسؤولة قامت الجهات الأمنية بإلقاء القبض عليها في الوقت ذاته، لتعترف أن ما قامت به “إشاعة من قبيل المزاح فقط”!
الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام عامر السرطاوي، أكد، في بيان صدر عن المديرية، أول من أمس “أن وحدة الجرائم الالكترونية باشرت إجراءات الملاحقة القانونية بحق سيدة ادعت في تسجيل صوتي جرى تداوله عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي. أن الجهات الرسمية أبلغت تربويين بقرب إعلان حالة طوارئ في الأردن وضرورة تخزين احتياطات كافية من المواد الغذائية والمحروقات وتسجيل المناهج عبر الفيديو لتدريسها للطلبة عن بعد”.
كما استهجن الناطق الإعلامي هذه الادعاءات العارية عن الصحة بالمطلق، والمليئة بالمغالطات والتزييف، والتي لا تعكس مستوى المسؤولية المنشودة في هذا الظرف الصحي الدقيق؛ حيث تم إحالة السيدة للقضاء، بعد التوصل لها لاتخاذ الإجراء القانوني بحقها في ظل ما قامت به من ترويج لإشاعات وأخبار كاذبة تمس بالأمن المجتمعي، وتبث القلق والهلع في نفوس المواطنين والمقيمين في المملكة.
فيما اعتذرت السيدة عما قامت به من تسجيل، وقالت في تسجيل صوتي لاحق مساء الثلاثاء إنها كانت “مزحة” على جروب خاص بالعائلة، إلا أن هذا التسجيل سرعان ما انتشر إلى عدد كبير من المستخدمين، لتُشكل حالة “هلع” لدى البعض ممن يؤمنون ويثقون بتلك التسجيلات بدون الرجوع لمصادرها الحقيقية والرسمية.
وخلال الشهر الماضي، ومع ظهور الحالة الوحيدة لمرض كورونا في الأردن، تبادل الناس بشكل سريع تسجيلات صوتية عدة لمجموعة من الأشخاص الذين أسهموا إلى حد كبير ببث الخوف والمبالغة في الخوف مما هو قادم، فكانت أصوات لفتيات يتحدثن بخوف عن وجود حالات تم تحويلها إلى الفحص والحجر، وغيرها من الأخبار والأحاديث التي وصلت بكل سهولة لأكبر عدد ممكن الأشخاص.
تلك التسجيلات التي تم تداولها بشكل سريع جداً أسهمت في خلق حالة توتر وهلع كبيرين بين المواطنين، كونها الحالة الأولى التي ظهرت في المملكة، تبع تلك التسجيلات العديد من التحليلات “غير المنطقية”، التي تبين فيما بعد أنها حالات انفعالية سريعة، لم تستمر بل بدأت بالتلاشي، ليظهر بعد ذلك من جديد تسجيلات تتحدث عن الموضوع ذاته.
أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، يرى أن الإشاعة تعددت أشكالها منذ وقت طويل، وأسهم ظهور وسائل التواصل الاجتماعي باختلاف الطرق التي يتم بها انتشار الإشاعة، التي اعتبرت عبر الزمن ظاهرة اجتماعية سلبية قديمة، وهي عبارة عن خبر أو مجموعة من الأخبار التي تنتشر بشكل سريع ويتم تداولها بين الناس.
تلك الإشاعات عادةً ما تثير الفضول لدى المجتمعات، وتكون عادةً “مجتمعات فيها بيئة اجتماعية مضطربة، كما في مرض كورونا الآن”، على حد تعبير جريبيع، مضيفاً أن نشر الإشاعة بأي طريقة يجعل الناس يسعون للبحث عن المعلومات الصحيحة، ومن الاحتمالية أن يجدوا إشاعات أخرى، خاصة في حالة كانت البيئة مساهمة لتهويل الإشاعة، ومحاولة بثها أي طريقة، ومن ضمنها التسجيلات الصوتية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعتقد جريبيع أن أسباب نشر الإشاعة قد تكون عادةً “فيها جزء من الأسباب الشخصية”، التي تأتي من وجود تكوين شخصي لديه توقع لما سيحدث بطريقة سلبية، وتعاني تلك الشخصية من التوتر والترقب، خاصة في ظل وجود بيئة حاضنة لذلك، ولها تأثير سلبي كبير على المجتمع، ومن شأنها أن تفقد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وهذه ظاهرة خطيرة جداً، فالمؤسسات أُنشئت لخدمة المجتمع. وفي الوقت ذاته، يعتبر جريبيع أن الإشاعة بالمجتمع انتهاك لحقوق الإنسان خاصة عندما ترتبط بأشخاص محددين، بالإضافة إلى انتهاك حقوق المجتمع ككل، وتسهم وسائل التواصل الاجتماعي بدور كبير في بثها بسرعة، ووضع وصمة على المجتمع في حال نشر إشاعة تمس الجميع. ويضيف “فهي تنتهك حق المواطن بالعيش بأمان من خلال نشر الخوف والقلق والترقب والتوتر النفسي وتوقع الأسوأ، واللجوء إلى التفكير بحالة الطوارئ التي يمكن أن تعطل الحياة اليومية”.
كما يرى جريبيع أن الإشاعة تسهم في سلب المواطن الحصول على المعلومة الصحيحة من مصدرها، وتعد وسيلة هدم للمجتمع، لفقدان الثقة والخوف، مشبهاً الإشاعة بالكرة المتدحرجة، التي تزداد خطورتها كلما تم تداولها بين الناس، وهي ليست لها جذور من الصحة.
ويرجع جريبيع وجود حالات الإشاعة ومروجيها إلى وجود أسباب وخلل لدى الفرد “مطلق الإشاعة”، والتي تتمثل بأسباب مجتمعية منها وجود حالة تفسخ في المجتمع الذي تسود فيه ثقافة الكراهية والتصادم والنزاع، عدا عن أسباب ذاتية منها وجود مشاعر قهر وعدم ثقة بالنفس، والشعور بأنه “شخص منبوذ”، ويحمل في نفسه مشاعر كراهية للعامة تدفعه لإطلاق الإشاعة، وتزداد حدتها بوجود مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن أن يختبئ في ظلها مطلقو الإشاعات بأسماء وهمية ومعلومات كاذبة.

 الغد

مواضيع قد تهمك