محمود خطاطبة
لا يشكن أحد، بأن اتساع رقعة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الغربية، التي كانت بدايتها في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأميركية، في الثامن عشر من شهر نيسان الحالي، أمر اعتيادي، أو عابر، سينطفئ شمعه في أيام لاحقات، بل هو حقبة جديدة، سيتم جني ثمارها في الأعوام المقبلة.
نعم، حقبة جديدة تُسبب القلق والأرق لدول لطالما تغنت بحقوق الإنسان والديمقراطية والحُريات، ومن قبلها الكيان الصهيوني الغاصب.. فبعد جهود مُضنية عبر سنوات طوال، استخدمت فيها تلك الدول كل الوسائل، من أجل غسل أدمغة شباب الغرب، بأوهام وأكاذيب من قبيل "حق إسرائيل (المُحتلة) في أرض فلسطين”، و”مُعاداة السامية”، وربط الأخيرة بشكل مُباشر بإسرائيل، إلا أن هذه الخُرافات باتت الآن في مهب الريح، وستُصبح عما قريب هباء منثورًا.
حقبة جديدة،
قد تُسبب لهم الرعب، كون الاحتجاجات حصلت في أعرق الجامعات الأميركية والغربية،
والتي يدرس فيها أبناء النخبة، أبناء الأثرياء، أبناء صناع القرار.. فمن هذه
الجامعات يتخرج قادة المُستقبل الغربي، الذين جُلهم يدعمون دولة الاحتلال
الإسرائيلي، علنًا من غير خجل أو وجل.
معلوم بأن
صناع القرار الحاليين، الذين كانوا وما يزالون يدافعون عن الكيان الصهيوني،
ويدعمونه ويمدونه بأعتى أنواع الأسلحة لقتل رُضع وأطفال ونساء ومدنيين عُزل، هم
بالأصل خريجو تلك الجامعات، التي خرج من أرحامها في الوقت الحالي من يقول "لا
للحرب على غزة”، ويطالب بمُقاطعة جامعات الاحتلال، وسحب الاستثمارات مع الغاصب
المُعتدي.
حقبة جديدة،
قد تُزلزل الأرض من تحت أقدام حاكمي العالم، فأولئك الطلبة، الذين من بينهم أيضًا
يهود، هم من سيحكمون دول العالم المُتحضر في قابل الأيام، وبالتالي يُمسكون بزمام
الأمور، وصناعة القرار هُناك.. من أجل ذلك هم الآن يُحاربون تلك الاحتجاجات،
ويقمعون ويخوفون القائمين عليها، بشتى الوسائل، وينعتونهم بأشد الصفات من قبيل
"الكراهية”، و”معاداة السامية”، وعدم تقبل الآخر.
لا يستخفن
أحد، بالحراك الأكاديمي الذي تشهده كثير من الجامعات المرموقة في الغرب، فهو خطير
جدًا على الكيان وداعميه بشكل خاص والغرب بشكل عام.. فالمُشكلة أكبر من تجمع أو
احتجاج. المُشكلة أن هناك جيلًا غربيًا قادمًا، بات يؤمن بعدالة القضية
الفلسطينية، جيل جديد بدأ يرفض ربط "مُعاداة السامية” بإسرائيل، وبات مُتيقنًا
بأنها مُرتبطة بالصهيونية وليس بإسرائيل، جيل يلفظ كُل الأساطير السابقة، التي
حاكتها أجهزة الاستخبارات العالمية، بتحشيد صهيوني، كـ”مُعادة السامية”، و”حق
إسرائيل في فلسطين”.
نحن أمام جيل
قادم، نسبة كبيرة منه ستمثل النخبة الحاكمة في بلاد "الحُريات والديمقراطية”،
باتوا مُتيقنين بأن إسرائيل دولة مُغتصبة لأرض فلسطين، تُنكل بأهلها أشد أنواع
التنكيل، ووصلوا إلى درجة عُليا من اليقين بأن الكيان الصهيوني صاحب إبادات
جماعية، وفصل عنصري، وتطهير عرقي، و”الأبارتايد”.
جيل النخبة
الغربي، شاهد بأم عينيه، كيف يتم قتل الأبرياء المدنيين بدم بارد على يد آلة البطش
الصهيونية، ورأى بما لا يدع للشك كيف قام الاحتلال بتدمير المُستشفيات والمدارس،
وسمع ووثق كيف ضرب الكيان الغاصب بعرض الحائط كل قواعد القانون الدولي، فضلًا عن
أنه بات مُقتنعًا بأن بلاد "العم سام” تُغذي الاحتلال الإسرائيلي، وتُنعش الإبادة
بحق أهل فلسطين.
جيل النخبة،
أعاد للجامعات الغربية المرموقة، دورها وبريقها، حيث كانت دومًا تُغيب في حالات
الحروب والأزمات المفصلية، وهذا الأمر هو من استنفر الاحتلال للقيام بحملات تشوية
لأهداف احتجاجات "النخبة الجامعية”.
مطلوب منا كعرب ومسلمين الآن، مُساندة ودعم ذلك الجيل، الذي بات يُميز بين معاني الحق والعدل والمساواة، التي يفتقدها الفلسطينيين، لعل وعسى أن يُقيد هذا الجيل في المُستقبل القريب، الدعم الأميركي غير المشروط لدولة الاحتلال.. ويبقى السؤال هل تُغير ثورة الجامعات وجه أميركا؟.
الغد