عبد المنعم عاكف الزعبي
مثير للاهتمام ما تشهده وسائل التواصل من تعليقات عند كل تشكيل حكومي جديد.
وأخص بالذكر هنا الشق الاقتصادي من التعليقات.
فعلى الرغم من المسار الاقتصادي المتباطئ منذ أكثر من 15 عاما، لا يزال كثيرون بانتظار الرئيس "المخلص" (بشد اللام) لتحقيق المعجزة الاقتصادية المنشودة.
طيف التوقعات غارق في المبالغة، في أقصاه آمال باكتشاف كنوز نفطية تحت الأرض. وفي المساحة الأقل تفاؤلا حوار وشد وجذب عن الوصفات الاقتصادية للقضاء على البطالة وحفز النمو وتخفيض المديونية.
لقد آن الأوان في الأردن أن يقنعنا النمو الاقتصادي العنيد ما بين 2% إلى 3% منذ عام 2009 بأننا لسنا أمام لحظة عابرة يمكن تجاوزها برحيل حكومة وقدوم أخرى.
وربما جاء الوقت لنقتنع بأننا أمام نقطة تعادل"Equilibrium" عنيدة - هي في الواقع محصلة لمحددات داخلية وخارجية، ومصالح وأهداف متداخلة أحيانا ومتعاكسة أحيانا أخرى.
المفارقة أن الحكومة - أي حكومة - معنية بالحفاظ على نقطة التعادل القائمة أيضا، وعدم كسرها ذاتيا بالاعتماد على السياستين المالية والنقدية. أو بالاعتماد على تغييرات هيكلية "قيصرية" تعاكس المصالح القائمة للقطاعات الاقتصادية والمجتمعية.
فلا وضعنا المالي ولا وضع المواطن المعيشي ولا الظرف السياسي يسمح بتغييرات كبرى وسريعة في هيكل وتركيبة الاقتصاد.
وبمعنى أن كل ما تستطيع إنجازه حكوماتنا هو التطوير التدريجي للوضع القائم، والحفاظ على جاهزية الاقتصاد للاستفادة من ظروف إقليمية وخارجية أفضل مستقبلا.
هذا النهج ليست سيئا بالمطلق. بل إنه أفضل الممكن، إذا ما قورن بكلف الكسر الذاتي لنقطة تعادل الاقتصاد، كما شاهدنا في مصر ولبنان مؤخرا.
ليس معنى هذا رفض ما يتم تقديمه من مقترحات وتوصيات. على العكس. فهناك الكثير منها على درجة عالية من الأهمية. ومن الممكن تحقيق اختراقات إيجابية هنا وهناك.
ولكن على الجميع إدراك أن أي تطور إيجابي كبير وسريع غير ممكن دون ظروف داعمة على المستوى الخارجي. وبخلاف ذلك، فإن الأفضل لنا هو المسار الثابت المتدرج لتهيئة وتحفيز الاقتصاد.
كتاب التكليف الملكي للحكومة يؤكد وجهة النظر هذه من خلال المستوى الاستثنائي من التفاصيل التي ذهب إليها. وهذا هو ذاته ما تعكسه رؤية التحديث الاقتصادي عبر مجموعة من الخطوات المتدرجة المتوائمة مع هامشنا المالي المحدود للمناورة.
المتوقع من الحكومة إذا أن تسير بثبات في التطوير التدريجي للاقتصاد، وتهيئته للاستفادة من الفرص الخارجية مستقبلا، وتحقيق الاختراقات الإيجابية "غير المكلفة" قدر الإمكان.
هذه ليست مهمة سهلة بالمناسبة.