شريط الأخبار

حل الجيش السوري السابق والخطأ القاتل

حل الجيش السوري السابق والخطأ القاتل
كرمالكم :  

هزاع البراري

تلاشى الجيش السوري/ جيش النظام السابق منذ سقوط دمشق بيد مقاتلي تحرير الشام دون قتال، ذاب في لمح البصر الجيش الذي قاتل تشكيلات المعارضة سنوات طويلة، وأدخل البلاد في تحالفات مع دول وجهات ذات أجندات إحتلالية وإحلالية غير وطنية، فانهار كل شيء دفعة واحدة، لكن الثمن الباهظ دفع مسبقا من دماء السوريين وويلات شتاتهم، والخشية أن يدفع لاحقا أيضا في ظل تعقيدات الأرض وتشابكات المصالح الدولية، وهذا ما يجعل التفاؤل الحذر يتآكل مع مرور الوقت، فالزيارات الدبلوماسية والرسمية وصور الاستقبالات بالبذلة الأنيقة، كلها تبقى نوايا قليلة الأثر والتأثير ما لم يلتفت للواقع على الأرض بقراءة عميقة بعيدة عن رومنسيات نجاح الثورة أو شهر العسل الذي قد يطول أو يقصر، فالقادم قد يكون قاتما ومفخخا بالأسئلة التي قد تتحول إلى مواجهات وهذا ما لا يرده المعنيون بالشأن السوري، وبالتأكيد لا يريده السوريون الوطنيون.

أثبتت التجارب الشرق أوسطية أن سقط الجيش يسقط الدولة، وفي الحالة السورية فإن النظام السابق صبغ الجيش بصبغته وهذا ديدن الدكتاتوريات، لذلك حينما يسقط الثوار دكتاتورية ما فإنهم يسعون مباشرة إلى إسقاط الجيش، حتى لا تقوم للنظام الساقط قائمة، لكن هذا قد يكون ناجعا في دولة أكثر إنسجاما في بنيتها الاجتماعية والإثنية والعرقية، فسوريا عبر التاريخ بنيت وترعرت على التنوع، وعلى هوية جامعة للدولة السورية، وفي هكذا بنية متعددة عرقيا ودينيا وطائفيا، والتي غذيت هذه التفرعات كثيرا خلال العقدين الماضيين أكثر من أي وقت سابق، فإن الجيش غير الطائفي وغير العرقي هو الضامن والحامي لهذا التعدد، كما أن المشرقيون عموما والعرب خصوصا يقدسون مؤسسة الجيش ويعلون من شأنه قيمة وجدانية ووطنية وأحد أهم روافع الولاء، وقد تبيّن فيما بعد مثلا أن حل الجيش العراقي عقب الغزو الأمريكي كان خطأً فادحا، أدخل العراق في دوامة من العنف والتطرف، إذ وجد الجنود والضباط أتفسهم في العراء، قطعت أرزاقهم وحوصروا في كل المناحي، حتى حاولت أمريكا فيما بعد تدارك الأمر ولو نسبيا بمنح أفراد الجيش السابق المنحل تقاعدا عسكريا.

ما مصير الجيش السوري السابق إذن؟ ما حال أفراده جنودا وضباطا؟ وهم بالتالي أبناء الشعب السوري من مدنه وقراه وبواديه كافة، هل يتركون في العراء دون شيء؟، برأيي هذا خطأ كبير وقد يكون قاتلا، فالجيش مأمور، تلك عقيدة الجيوش، ربما من الضروري محاسبة كبار الضباط من المتورطين بالعنف وجرائم الحرب، لكن الجيش برمته يلقى به في غياهب الجب تلك مسألة كبرى، فقد تدفع سوريا كلها ثمنا باهظا لذلك، فربما يدفع العوز والجوع والتهميش والتخوين مئات وربما آلاف من تشكيلات الجيش السابق إلى الإنخراط في تشكيلات متطرفة، أو يقعون فريسة لقوى إقليمية ودولية تستخدمهم أدوات من أجل نشر الفوضى والدمار والقتل، وبالتالي إدخال البلاد في دوامة جديدة من العنف الدومي لا يمكن التنبوء بنتائجها، ولا ننسى أن منتسبي الجيش السابق محترفي قتال وأصحاب خبرة لا يستهان بها.

إذن المسألة تكن في تنقية الجيش السابق وتطهيره وإعادة تأهيله من جديد، وبناء عقيدة وطنية جديدة، له وأن يعود الجيش لحضن الدولة، بل ويكون عضيدها، وهذا إن حدث سيسهل بالتأكيد حل الملشيات متعددة الانتماءات وإنصهارها في الجيش، وأن لا تكون هذه المليشيات هي الجيش الوطني بكليته، فهذا خطأ أخر يهدد وحدة الجيش وتماسكه، فعلى القيادة الحالية الإفادة من التجارب السابقة، وانتهاج نهج جديد يخرج سوريا من مأزق التقسيم والتشرنق حول هويات فرعية مسلحة لا تخدم مصلحة سوريا العليا في بناء دولة عصرية وموحدة أساسها التنوع والانفتاح وحارسها الأمين جيش متماسك وغير فصائلي.

مواضيع قد تهمك