شريط الأخبار

الاردن: جامعات بلا علم… وأبحاث بلا عقل

الاردن: جامعات بلا علم… وأبحاث بلا عقل
كرمالكم :  

د. معن علي المقابلة

الجامعات الأردنية تموت… لكن موتها ليس قدراً، بل جريمة مستمرة تُرتكب أمام أعيننا، ومرتكبوها يرتدون الروب الأكاديمي ويجلسون على الكراسي الوثيرة.

منارات العلم التي تحولت إلى مصانع للبطالة

ما جرى مع أستاذ الهندسة في جامعة اليرموك ليس حادثة فردية، بل هو جرح قديم انفجر من جديد، كاشفاً عفن الجامعات الأردنية – الحكومية منها والخاصة – التي تحولت من منارات للعلم إلى مصانع لتخريج البطالة المقنّعة، بشهادات ورقية لا تساوي الحبر الذي كتبت به. نحن أمام مؤسسات تستهلك أموال الناس وتبيعهم وهماً أكاديمياً، ثم تدفعهم إلى سوق عمل مغلق، بلا مهارات وبلا أفق.

هل التعليم العام سبب التراجع؟

والسؤال الكبير الذي يفرض نفسه: هل تدهور الجامعات سببه التعليم المدرسي الرديء ومخرجاته، أم أن التعليم بكل مراحله مجرد انعكاس لانهيار أوسع في مؤسسات الدولة وثقافتها؟ ما يحدث في التعليم العالي ليس سوى صورة مصغرة لحالة عامة من التراجع والفساد واللامبالاة.

مسلسل تغيير رؤساء الجامعات: تطوير أم تصفية حسابات؟

والأدهى من ذلك، أن مسألة تقييم وتغيير رؤساء الجامعات أصبحت مسلسلًا مستمراً بلا نهاية واضحة، وآخر حلقاته ما نراه من تقدم مزعوم في مسيرة هذه الجامعات. هذا المسلسل لم يعد أداة لتطوير الأداء أو إصلاح الهيئات الأكاديمية، بل تحولت أداة لتصفية الحسابات السياسية والشخصية، مما يزيد من الفوضى ويعمق أزمة التعليم الجامعي.

الفساد المنظم وصمت المنظومة

الدكتور هاشم مطارنة حاول – ولو متأخراً – أن يدق ناقوس الخطر. لكن الحقيقة المرة أن الفساد لم يعد خفياً، بل أصبح منظومة كاملة تحمي نفسها بالصمت الجماعي. منذ عقدين أو ثلاثة، صار جيب الطالب هو الذي يحدد سياسات الجامعة، وصار الأستاذ الجامعي في نظر الطلبة موظفاً عندهم، يخشى رسوبهم أكثر من خشيتهم هم، لأن الرسوب يعني خسارة "الزبون”.

ولم يقف الانحدار عند هذا الحد، بل أصبح التعيين والترقية مرهونين بالولاء الشخصي، والملفات الأمنية "الناصعة”، حيث النقاء هنا لا علاقة له بالشرف أو الكفاءة، بل بالابتعاد عن أي رأي سياسي أو موقف عام. صار الأستاذ الجامعي محاصراً في قاعة محاضراته، يراقبه طلبة مخبرون، قادرون على كتابة تقرير يدفنه مهنياً.

فضيحة أبحاث الترقية بين الاعتراف والصمت

لقد خرج الدكتور عزمي محافظة، وزير التربية والتعليم والتعليم العالي – وهو أستاذ جامعي – ليقول ما يعرفه الجميع ويتسترون عليه: أبحاث ترقية الأساتذة في جامعاتنا في معظمها ليست نتاج عقل الباحث، بل إنتاج الذكاء الاصطناعي أو بضاعة جاهزة تُشترى من "أسواق البحوث” بالإيجار. ومع أن جرأته في التصريح تحسب له، إلا أن السؤال الأهم: ماذا بعد الكلام؟ من يجلس على رأس وزارة مسؤولة عن التعليم الأساسي والعالي لا يكفيه أن يشير إلى الجرح من بعيد، بل عليه أن يفتح ملفاته، ويكشف المتورطين، ويوقف هذه الفضيحة التي تهدم ما تبقى من مصداقية الجامعة. فالكلمة بلا فعل تصبح مجرد تبرئة ذمة، بينما المطلوب اليوم هو مواجهة، لا مجاملة، لمن باعوا شرفهم الأكاديمي مقابل ورقة ترقية.

تزلف المسؤول طريق الترقية… والعلم في المؤخرة

اليوم، التزلف للمسؤول هو طريقك الأسرع إلى منصب أو ترقية، أما العلم والكفاءة فمكانهما في آخر القائمة. ومع ذلك، كيف يقبل الأساتذة الجامعيون – وهم المفترض أنهم نخبة المجتمع – أن يكونوا شهود زور على انهيار التعليم؟ كيف يختبئ من درس في أرقى الجامعات خلف أمثال الخوف والجبن: "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس” أو "امشي الحيط الحيط وقول يا ربي الستيرة”؟

هل أنفقنا ملايين الدولارات على تعليمهم في أوروبا وأمريكا والشرق، ليعودوا إلينا بلا موقف، بلا كلمة، بلا شجاعة؟ إن صمتهم ليس حياداً، بل خيانة للعلم، وللأمانة التي يفترض أنهم يحملونها.

الخطر الأكبر: السكوت عن الفساد

وعليه، فإن السكوت لم يعد خياراً. على الأكاديميين الشرفاء أن يخرجوا عن صمتهم، وأن يكسروا جدار الخوف، وأن يسمّوا الفاسد باسمه. لا إصلاح بلا مواجهة، ولا مواجهة بلا تضحيات. ومن ينتظر أن تُصلح الجامعات نفسها سيكتشف أن الخراب سيبتلعنا جميعاً قبل أن يتحرك حجر واحد في هذا الجدار المتهالك. إما أن نقف الآن، أو نسقط جميعاً في حفرة الجهل التي تُحفر لنا بيد من يفترض أنهم حراس المعرفة.

باحث اردني.. رأي اليوم

مواضيع قد تهمك