شريط الأخبار

هولندا تستقيل من أجل غزة… وأنظمتنا تستقيل من ضمائرها

هولندا تستقيل من أجل غزة… وأنظمتنا تستقيل من ضمائرها
كرمالكم :  

د. معن علي المقابلة

هولندا تهز المشهد السياسي باستقالات جماعية مدوّية. وزراء حزب "العقد الاجتماعي الجديد” قدّموا استقالاتهم من حكومة تصريف الأعمال، بعد يوم واحد فقط من استقالة وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب، احتجاجاً على عجز حكومتهم عن فرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل مذابحه في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

هذه الاستقالات لم تكن مناورة ولا ورقة ضغط سياسية، بل موقف أخلاقي صارخ: ما يجري في غزة إبادة جماعية، تدمير منظم للإنسان والحجر، وتهجير ممنهج لشعب بأكمله. الوزراء الهولنديون لم يضيعوا وقتهم في نقاشات عقيمة حول "مبررات الحرب” ولا في ترديد أسطوانة "الدفاع عن النفس”، بل قالوها بوضوح: أوقفوا آلة القتل فوراً، دون قيد أو شرط.

الفرق صارخ بين من يرى الحقيقة ويقف عندها، وبين من يدفن رأسه في رمال التبريرات. وزراء هولندا اختاروا الكرامة، بينما في عالمنا العربي والإسلامي ما تزال نخب كثيرة – في السلطة ومن يدور في فلكها – تغرق في الجدل التافه: هل كان قرار السابع من أكتوبر "صائباً” أم "مغامرة خاسرة”؟ أي عجز هذا! أي تواطؤ أو ضحالة فكرية تجعل البعض ينشغل بالمقدمات بينما المجازر مستمرة في كل بيت من بيوت غزة؟

والأدهى أن هولندا، الدولة التي يعيش فيها يهود مؤيدون للكيان ويتمتعون بنفوذ مالي وسياسي مؤثر، لم تخشَ الضغوط ولم تساوم على الضمير. أما أنظمتنا، التي ترفع لافتات العروبة والإسلام صباح مساء، فما تزال تتلعثم وتبحث عن أعذار لصمتها المعيب، وكأن الدم الفلسطيني ليس دمها، وكأن غزة ليست جزءاً من أمتها.

الدرس واضح وصارخ: الديمقراطيات الحقيقية، رغم نفوذ اللوبيات وضغوط المصالح، تملك شجاعة اتخاذ موقف أخلاقي. أما أنظمتنا المستبدة، فهي لا ترى في الإنسان إلا قاصراً يحتاج وصاية، وتختزل السياسة في بقاء السلطة لا في نصرة المظلوم ولا في الدفاع عن الكرامة.

وهنا تأتي مسؤولية الجماهير: لا تنتظروا من أنظمة فقدت بوصلة الكرامة أن تتحرك. الرهان عليكم أنتم، على صوتكم، على فعل الشارع، على وعي الناس. غزة تختنق اليوم، والوقت ليس للانتظار ولا للصمت.

قولوا كلمتكم: لا صمت على المجازر، لا تبرير للصمت، لا غفران للخذلان. فهذه ليست معركة الفلسطينيين وحدهم، بل معركة كل عربي ومسلم، معركة كل إنسان يعرف معنى الحرية والعدل. والتاريخ لن يرحم المتخاذلين.

باحث وناشط سياسي/ الأردن

راي اليوم

مواضيع قد تهمك