د.مهند مبيضين
يُقدم الرئيس أحمد الشرع سردية الواقع لسورية الراهنة، بِعُقد الداخل والفرص الممكنة للنهوض، واستعادة الدولة ومؤسّساتها، وسورية المنتظرة دولة لا طموحات لها خارج حدودها، وقابلة للحياة بعد عقد ونيّف من الدمار وزمن مديد من الاستبداد، وهو يُريدها بلداً يفخَر به أبناؤه. ويأتي إليها جيرانها بدون حسابات ومخاوف. أما رؤيته للخارج فهي محكومة بـ"المصالح المشتركة التي يجب أن نستند إليها".
قلّب الشرع في لقاء إعلامي، الأحد الماضي، أوجاع الزمنين الراهن والبعيد، لكنه لم يكن أسيراً للماضي، وأعلن براءته من ملفّات كثيرة، من التشدّد والغلو، ومن أن يكون امتداداً للإخوان المسلمين، ومن أن يكون مبتهجاً بالربيع العربي، ذلك زمن مضى، وقد أعلن في خطابه الأول للشعب وللعالم أن "الثورة انتهت". ... لكنه لم يُخفِ تحوّلات مسيرته قائلاً: "قاتلنا مع العراقيين بعد العام 2004 الاحتلال، وبعد ذلك ظهروا هم كمقاومة وطنية وصُنفنا نحن كإرهابيين، لكني لم أوذِ عراقياً.."، لكنه اليوم بدا معجباً بتجربة رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني وتقليله من حدّة الأيديولوجيا، وسعيه إلى مسار البناء الذي اتّخذه، والأعمال التي قامت بها حكومته وموقفها من تحرير سورية.
في قصر الشعب، الذي كان عنوان القهر سابقاً، يستقبل الشرع ضيوفه، والقاعة الدمشقية التي قال إنها أكثر ما يحبّ به، لأنها تمثل طراز العمارة الإسلامية الشامية، فبسط رؤيته وآماله ومخاوفة، ورؤيته لمشهد معقّد، وأرسل جملة من الرسائل عن علاقاته مع الجيران ومع العالم، ومع الاحتلال الإسرائيلي، الذي أكّد أنه لن يمانع بالذهاب إلى سلام معه بسقف الأمن والعودة إلى الجولان وحالة اللاحرب. وهذا مهم، "يجب أن لا نكون خجولين، والسلام يحتاج لإرادة وشجاعة ولن نخاف من إعلانه، وما يصبّ في المصالح السورية وبالتشاور سنذهب إليه ولن نعمل في الخفاء".
سورية الأسد غير سورية الشرع، عند الأول كانت عصابة لطاغية، ومع الثاني هي محاولة لاستدراك ما فات، ودولة مؤسّسات للجميع
لا يرمي الرجل وعوداً طائشة، أو كلاماً كبيراً محمّلاً بأمجاد الماضي، يُدرك المخاطر لكنه لا يعيش في ظلالها، وإن تطلب الأمر حسماً يتّخذ قراره. الرجل الذي هو معجب بنموذج نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي في الإحياء السني للأمة والنهوض بالأمة، وإلغاء الفوارق، وبناء المواطنة والتصالح مع العدو إن كان ضرورة، كما فعل هذان النموذجان، لا تفارقه صورة حاضرية سورية المليئة بالفرص كما هي طاغية بالتحدّيات.
تبدأ خريطة التقدم للأمام ليس بإنهاء مشكلة السويداء والعلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بل في إجراء انتخابات مقبلة لن تكون المُثلى والأفضل لحداثة التجربة وعجلتها، ولكنها البوابة لترتيب البيت السوري واستعادة مؤسّسة التشريع وتطوير القوانين اللازمة للنهوض بالبلد، ووقف إصدار المراسيم الرئاسية التي كثيراً ما ينتقد بعضهم إصدارها.
أما السويداء وراهنيتها، فالشرع مُقرٌّ بالأخطاء التي حصلت من الجميع "هناك جرح موجود اليوم" يُعمل الكثير، كما فهمنا، لإبرائه، لكنه لا يرى إيجابيةً باستدعاء الخارج للحل، ولا يرى آمالاً ممكنةً لمن يريد الانفصال؛ فهي مقولاتٌ غير أنها صعبة التحقّق، لكنها مزعجة، في مناطق لا تملك أصلاً إلا مقوّمات الوحدة مع الوطن. وفيما أبدى احتراماً لأداور بني معروف الوطنية عبر التاريخ السوري الحديث والمعاصر، إلّا أنه عرّج على قيمة العشائر ومكارمها في حفظ الأمن ورفع حضور القيم النبيلة والاستجابة للقانون ونبذ الفرقة.
سورية الأسد غير سورية الشرع، عند الأول كانت عصابة لطاغية، ومع الثاني هي محاولة لاستدراك ما فات، ودولة مؤسّسات للجميع، ورغبة بالتنمية والشركات مع العالم، وتجاوز العقوبات التي قال الرجل إنه وجد أن بعضها مفروضٌ على بلده منذ العام 1979، وبتعبيره "قبل ما نِخلَق". ... يعترف الشرع بأن مؤسّسات الدولة تحتاج لتطوير وإنفاق، وهذا الأمر، خصوصاً في الخدمات، لن تتوانى الحكومة عن دخوله عبر بوابة الاستثمار، بيد أنه حذّر، وهو حَذِر، من الخصخصة غير المدروسة، وهذا أمر مهم في بلد يتطلّع كثيرون إليه أرضاً بكراً للاستثمار والعمل.
سورية في ذهن الشرع بلد يرى المستقبل من الحاضر، لا من الماضي الذي كان صعباً عليه وعلى بلده
ليست محاذير أحمد الشرع مخاوف، لكنها تحتاج فطنة لا تنقصه، في بلد عانى ويعاني اليوم من قهر الجغرافيا أو الجغرافيا القاهرة "ارتباطنا قدري مع الجغرافيا"، لكنها، برأيه أيضاً، جغرافيا وضعت السوريين في طريق القوافل التاريخية: الإيلاف والحج والحرير، لذلك هم أميل إلى ممارسة التجارة "والتجار يألفون السلام والاستقرار"، وقرار السلام عنده أصعبُ من قرار الحرب، التي يمكن أن يوقدها غير العقلاء دوماً أو أن تُفرض قهراً، وقد تبدأ بالكلام كما قال نصر بن سيار في رسالته إلى الخليفة الأموي مروان بن محمد: فإن النار بالعوديْن تذكى/ وإن الحرب مبدؤها كلام
والحرب، كما يتذكّر الشرع قاسية وطاحنة، وقد خسر الشعب السوري في الاقتتال أرواحاً كثيرة، ولا تترك إلا الغياب، وقد ذاق السوريون لظاها. كما وصفها زهير بن أبي سلمى بقوله: وَمَا الحَرْبُ إِلّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ/ وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَدِيثِ المُرَجَّمِ...
مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيْمَةً/ وَتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ ... فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا/ وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ.
لذلك، لا يمكن تجاوز أثر الحروب إلا بالصفح، وهنا تحدّث الشرع عن لبنان "آثرتُ أن نذهب للصفح ويجب أن لا يكون بيننا وبينهم نهر من نار"، مجانباً الماضي وتاركاً له، ومشدّداً على أفول زمن الوصايات والتدخّل المتبادل بين البلدين في شؤون بعضهما بعضاً "لا أريد حين أتحدث عن لبنان أن يظنّ اللبناني أنني الأخ الأكبر" و"تنازلنا عن الجراح". يُريد الشرع تصفير الماضي، وأن يعيش الجميع باحترامٍ متبادل، وأن تكون الطريق بين دمشق وبيروت معبّدة بالمودات والتنمية والخير للشعبيين، وفي باب المودّة والمصالح المرسلة تحدث عن مواقف العراق الجيدة بعد تحرير الشام، وعن الدور التركي، وعن الأردن الذي وصفه بأنه "صوت مهم، وهو متّزن، وله قيمة إقليمية وعالمية وهم داعمون لاستقرار سورية". وبالتوازي تحدث عن العلاقة الطيبة مع قطر والدعم السعودي وعن تركيا والإمارات. حتى روسيا هناك سياقٌ لبناء علاقات جيدة معها.
ليست محاذير أحمد الشرع مخاوف، لكنها تحتاج فطنة لا تنقصه، في بلد عانى ويعاني اليوم من قهر الجغرافيا أو الجغرافيا القاهرة
أما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وخطره في سورية، فيرى أن هناك استغلالاً لورقته من بعضهم، كما أقرّ بوقوع الظلم على الأكراد، وهم مواطنون بالدرجة الأولى، وقد أشار إلى السعي بجدية إلى علاج هذه المظالم بالقول: "فتحت طرقات كبيرة ونحاول أن نرمّم ما كان". ولذلك يبدو التوافق والاتفاق مع "قسد" عنده مسألة وطنية.
سورية في ذهن الشرع بلد يرى المستقبل من الحاضر، لا من الماضي الذي كان صعباً عليه وعلى بلده. نفض الرجل كنانته القديمة، وعاد إلى دمشق محملاً بآمال الناس، لم يكن ثأرياً، ولم يطفئ الدم بالدم، بل بالصفح. والحساب ليس بحجج ودعاوى، بل بالعدالة الانتقالية التي لا بُدّ من أن تكون فيها تنازلات من جميع الأطراف. ... رؤيته إلى التجارب الثورية أنها فشلت خلال مائه عام منصرمة، و"عنا حالة سورية محلية نديرها ونضع الناس بالصورة وخياراتنا كثيرة، ونحاول بناء الثقة عبر الإنجاز في الاستثمار وتأهيل قوى الأمن وبناء الطرق والسكك الحديدية، والأهم تحديث البنية الحكومية الصعبة".
لا ينام الشرع كثيراً، فذاك زمنٌ بات مناله صعباً، بيد أن السوريين في حاضرهم مقتنعون بأن ثمّة تحسّناً، والأهم أنك تسمع النقد مع سائق التاكسي وفي المقهى، كما تسمع الابتهاج بالزمن الجديد والأماني الممكنة بوطنٍ ناجزٍ ودولةٍ تليق بنضال السوريين وصبرهم وآلامهم ودماء الشهداء، وانتظارات مجلّلةٍ بالحسرات لأخبار المفقودين.
العربي الجديد
د.مهند مبيضين
يُقدم الرئيس أحمد الشرع سردية الواقع لسورية الراهنة، بِعُقد الداخل والفرص الممكنة للنهوض، واستعادة الدولة ومؤسّساتها، وسورية المنتظرة دولة لا طموحات لها خارج حدودها، وقابلة للحياة بعد عقد ونيّف من الدمار وزمن مديد من الاستبداد، وهو يُريدها بلداً يفخَر به أبناؤه. ويأتي إليها جيرانها بدون حسابات ومخاوف. أما رؤيته للخارج فهي محكومة بـ"المصالح المشتركة التي يجب أن نستند إليها".
قلّب الشرع في لقاء إعلامي، الأحد الماضي، أوجاع الزمنين الراهن والبعيد، لكنه لم يكن أسيراً للماضي، وأعلن براءته من ملفّات كثيرة، من التشدّد والغلو، ومن أن يكون امتداداً للإخوان المسلمين، ومن أن يكون مبتهجاً بالربيع العربي، ذلك زمن مضى، وقد أعلن في خطابه الأول للشعب وللعالم أن "الثورة انتهت". ... لكنه لم يُخفِ تحوّلات مسيرته قائلاً: "قاتلنا مع العراقيين بعد العام 2004 الاحتلال، وبعد ذلك ظهروا هم كمقاومة وطنية وصُنفنا نحن كإرهابيين، لكني لم أوذِ عراقياً.."، لكنه اليوم بدا معجباً بتجربة رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني وتقليله من حدّة الأيديولوجيا، وسعيه إلى مسار البناء الذي اتّخذه، والأعمال التي قامت بها حكومته وموقفها من تحرير سورية.
في قصر الشعب، الذي كان عنوان القهر سابقاً، يستقبل الشرع ضيوفه، والقاعة الدمشقية التي قال إنها أكثر ما يحبّ به، لأنها تمثل طراز العمارة الإسلامية الشامية، فبسط رؤيته وآماله ومخاوفة، ورؤيته لمشهد معقّد، وأرسل جملة من الرسائل عن علاقاته مع الجيران ومع العالم، ومع الاحتلال الإسرائيلي، الذي أكّد أنه لن يمانع بالذهاب إلى سلام معه بسقف الأمن والعودة إلى الجولان وحالة اللاحرب. وهذا مهم، "يجب أن لا نكون خجولين، والسلام يحتاج لإرادة وشجاعة ولن نخاف من إعلانه، وما يصبّ في المصالح السورية وبالتشاور سنذهب إليه ولن نعمل في الخفاء".
سورية الأسد غير سورية الشرع، عند الأول كانت عصابة لطاغية، ومع الثاني هي محاولة لاستدراك ما فات، ودولة مؤسّسات للجميع
لا يرمي الرجل وعوداً طائشة، أو كلاماً كبيراً محمّلاً بأمجاد الماضي، يُدرك المخاطر لكنه لا يعيش في ظلالها، وإن تطلب الأمر حسماً يتّخذ قراره. الرجل الذي هو معجب بنموذج نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي في الإحياء السني للأمة والنهوض بالأمة، وإلغاء الفوارق، وبناء المواطنة والتصالح مع العدو إن كان ضرورة، كما فعل هذان النموذجان، لا تفارقه صورة حاضرية سورية المليئة بالفرص كما هي طاغية بالتحدّيات.
تبدأ خريطة التقدم للأمام ليس بإنهاء مشكلة السويداء والعلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بل في إجراء انتخابات مقبلة لن تكون المُثلى والأفضل لحداثة التجربة وعجلتها، ولكنها البوابة لترتيب البيت السوري واستعادة مؤسّسة التشريع وتطوير القوانين اللازمة للنهوض بالبلد، ووقف إصدار المراسيم الرئاسية التي كثيراً ما ينتقد بعضهم إصدارها.
أما السويداء وراهنيتها، فالشرع مُقرٌّ بالأخطاء التي حصلت من الجميع "هناك جرح موجود اليوم" يُعمل الكثير، كما فهمنا، لإبرائه، لكنه لا يرى إيجابيةً باستدعاء الخارج للحل، ولا يرى آمالاً ممكنةً لمن يريد الانفصال؛ فهي مقولاتٌ غير أنها صعبة التحقّق، لكنها مزعجة، في مناطق لا تملك أصلاً إلا مقوّمات الوحدة مع الوطن. وفيما أبدى احتراماً لأداور بني معروف الوطنية عبر التاريخ السوري الحديث والمعاصر، إلّا أنه عرّج على قيمة العشائر ومكارمها في حفظ الأمن ورفع حضور القيم النبيلة والاستجابة للقانون ونبذ الفرقة.
سورية الأسد غير سورية الشرع، عند الأول كانت عصابة لطاغية، ومع الثاني هي محاولة لاستدراك ما فات، ودولة مؤسّسات للجميع، ورغبة بالتنمية والشركات مع العالم، وتجاوز العقوبات التي قال الرجل إنه وجد أن بعضها مفروضٌ على بلده منذ العام 1979، وبتعبيره "قبل ما نِخلَق". ... يعترف الشرع بأن مؤسّسات الدولة تحتاج لتطوير وإنفاق، وهذا الأمر، خصوصاً في الخدمات، لن تتوانى الحكومة عن دخوله عبر بوابة الاستثمار، بيد أنه حذّر، وهو حَذِر، من الخصخصة غير المدروسة، وهذا أمر مهم في بلد يتطلّع كثيرون إليه أرضاً بكراً للاستثمار والعمل.
سورية في ذهن الشرع بلد يرى المستقبل من الحاضر، لا من الماضي الذي كان صعباً عليه وعلى بلده
ليست محاذير أحمد الشرع مخاوف، لكنها تحتاج فطنة لا تنقصه، في بلد عانى ويعاني اليوم من قهر الجغرافيا أو الجغرافيا القاهرة "ارتباطنا قدري مع الجغرافيا"، لكنها، برأيه أيضاً، جغرافيا وضعت السوريين في طريق القوافل التاريخية: الإيلاف والحج والحرير، لذلك هم أميل إلى ممارسة التجارة "والتجار يألفون السلام والاستقرار"، وقرار السلام عنده أصعبُ من قرار الحرب، التي يمكن أن يوقدها غير العقلاء دوماً أو أن تُفرض قهراً، وقد تبدأ بالكلام كما قال نصر بن سيار في رسالته إلى الخليفة الأموي مروان بن محمد: فإن النار بالعوديْن تذكى/ وإن الحرب مبدؤها كلام
والحرب، كما يتذكّر الشرع قاسية وطاحنة، وقد خسر الشعب السوري في الاقتتال أرواحاً كثيرة، ولا تترك إلا الغياب، وقد ذاق السوريون لظاها. كما وصفها زهير بن أبي سلمى بقوله: وَمَا الحَرْبُ إِلّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ/ وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَدِيثِ المُرَجَّمِ...
مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيْمَةً/ وَتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ ... فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا/ وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ.
لذلك، لا يمكن تجاوز أثر الحروب إلا بالصفح، وهنا تحدّث الشرع عن لبنان "آثرتُ أن نذهب للصفح ويجب أن لا يكون بيننا وبينهم نهر من نار"، مجانباً الماضي وتاركاً له، ومشدّداً على أفول زمن الوصايات والتدخّل المتبادل بين البلدين في شؤون بعضهما بعضاً "لا أريد حين أتحدث عن لبنان أن يظنّ اللبناني أنني الأخ الأكبر" و"تنازلنا عن الجراح". يُريد الشرع تصفير الماضي، وأن يعيش الجميع باحترامٍ متبادل، وأن تكون الطريق بين دمشق وبيروت معبّدة بالمودات والتنمية والخير للشعبيين، وفي باب المودّة والمصالح المرسلة تحدث عن مواقف العراق الجيدة بعد تحرير الشام، وعن الدور التركي، وعن الأردن الذي وصفه بأنه "صوت مهم، وهو متّزن، وله قيمة إقليمية وعالمية وهم داعمون لاستقرار سورية". وبالتوازي تحدث عن العلاقة الطيبة مع قطر والدعم السعودي وعن تركيا والإمارات. حتى روسيا هناك سياقٌ لبناء علاقات جيدة معها.
ليست محاذير أحمد الشرع مخاوف، لكنها تحتاج فطنة لا تنقصه، في بلد عانى ويعاني اليوم من قهر الجغرافيا أو الجغرافيا القاهرة
أما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وخطره في سورية، فيرى أن هناك استغلالاً لورقته من بعضهم، كما أقرّ بوقوع الظلم على الأكراد، وهم مواطنون بالدرجة الأولى، وقد أشار إلى السعي بجدية إلى علاج هذه المظالم بالقول: "فتحت طرقات كبيرة ونحاول أن نرمّم ما كان". ولذلك يبدو التوافق والاتفاق مع "قسد" عنده مسألة وطنية.
سورية في ذهن الشرع بلد يرى المستقبل من الحاضر، لا من الماضي الذي كان صعباً عليه وعلى بلده. نفض الرجل كنانته القديمة، وعاد إلى دمشق محملاً بآمال الناس، لم يكن ثأرياً، ولم يطفئ الدم بالدم، بل بالصفح. والحساب ليس بحجج ودعاوى، بل بالعدالة الانتقالية التي لا بُدّ من أن تكون فيها تنازلات من جميع الأطراف. ... رؤيته إلى التجارب الثورية أنها فشلت خلال مائه عام منصرمة، و"عنا حالة سورية محلية نديرها ونضع الناس بالصورة وخياراتنا كثيرة، ونحاول بناء الثقة عبر الإنجاز في الاستثمار وتأهيل قوى الأمن وبناء الطرق والسكك الحديدية، والأهم تحديث البنية الحكومية الصعبة".
لا ينام الشرع كثيراً، فذاك زمنٌ بات مناله صعباً، بيد أن السوريين في حاضرهم مقتنعون بأن ثمّة تحسّناً، والأهم أنك تسمع النقد مع سائق التاكسي وفي المقهى، كما تسمع الابتهاج بالزمن الجديد والأماني الممكنة بوطنٍ ناجزٍ ودولةٍ تليق بنضال السوريين وصبرهم وآلامهم ودماء الشهداء، وانتظارات مجلّلةٍ بالحسرات لأخبار المفقودين.
العربي الجديد