شريط الأخبار

في غزة أطفال يبحثون عن الشمس

في غزة أطفال يبحثون عن الشمس
كرمالكم :  

جهاد المنسي

في أزقة غزة، التي لم تعد أزقة لأحياء عامرة بل بيوتا مهدمة، وبين أنقاض المباني المدمرة، تكتب يوميا حكايات صبر لا يشبه أي صبر، هناك، حيث الأطفال مثل كل أطفال العالم، يحلمون بضحكة صافية وشروق شمس جديد، لكن ضحكاتهم تتداخل مع أصوات الانفجارات، ومشهد الشهداء من أقرانهم وجيرانهم، أولئك الذين استهدفتهم آلة القتل الإسرائيلية وهم يبحثون عن قطرة ماء أو كسرة خبز.

رغم ذلك، يرفض أطفال غزة أن يسرق الخوف أو الجوع طفولتهم وأحلامهم في الحرية والحياة الكريمة، فالجوع في غزة ليس لحظة عابرة، بل حالة متواصلة من الحرمان عاشها أهلها لأمد طال، هناك في غزة الأم تخفي خوفها خلف ابتسامة شاحبة، وتوزع قليل الطعام على صغارها، والأب يجوب بين انقاض البيوت المهدمة بحثا عن لقمة خبز قد لا يجدها، وغالبا سيجد قناصا نازيا يترصده لقتله، أما الأطفال فيحلمون كما كل أطفال العالم، ولكن حلم أطفال غزة ليس عن مباراة كرة قدم، أو عن قصة الأميرة النائمة، وانما عن رغيف خبز لا يحصلون عليه، أو لحظة فرح عابرة تعلن وقف صوت النار والقتل.

الاحتلال الإسرائيلي الفاشي الدموي لم يترك شيئًا إلا ودمره، البيوت، المدارس، المستشفيات، وصولا إلى الماء والكهرباء، ومع أن الحصار الطويل جعل الحياة شبه مستحيلة، إلا أنه لم يفلح في كسر إرادة الغزيين، فالتهجير مرفوض، رغم الاعتداءات المستمرة، لكنهم يتمسكون بأرضهم، مؤمنين أن الكرامة والهوية أغلى من حياة تُفرض عليهم في منافي بعيدة.

ما يفطر وجدان أهل غزة هو صمت العالم، موت منظمات حقوق الإنسان، والطفل والمرأة، والاكتفاء ببيانات رسمية خاوية ومساعدات إنسانية ضئيلة لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية.

هناك تنهش الحيوانات الجائعة أطفال لا يقوون على الركض ويحمل الطفل ذو السنوات العشر سنين أخاه بين كتفيه ويهرب به لعله يبعده عن صوت الرصاص وشبح الموت.

هناك في غزة حيث تكشفت عورة العالم اجمع يموت الأطفال جوعا، ويغادر المرضى بلا دواء، والناس يعيشون في ظروف لا تليق بالبشر، هذا الصمت الدولي لا يكتفي بالعجز، بل يمنح الاحتلال غطاء للاستمرار، ويحول الصمود الفلسطيني إلى معركة يومية أصعب، لكنها في الوقت نفسه ترفع من قيمة المقاومة الإنسانية التي يصنعها الغزيون بصبرهم وكرامتهم.

رغم هذا السواد، تظهر غزة أجمل وأروع صور الصمود الإنساني، امرأة تُقسم رغيف الخبز بين بنيها، وأطفال يضحكون ويلعبون وسط ركام وكأنهم يعلنون للعالم الأصم باننا لن نسمح للظلم أن يسلب طفولتنا، تلك تفاصيل صغيرة ولكنها مقاومة صامتة، أقوى من كل سلاح، لأنها تستمد قوتها من حق طبيعي في الحياة، وتمسك بالأرض وعدم التفريط، ودرس لكل من فرط ، فالصبر هناك ليس مجرد تحمل للجوع والألم، بل مقاومة ورفض دائم لمحاولات التهجير وطمس الهوية، فكل ابتسامة في وجه الجوع، وكل عائلة تتقاسم لقمة واحدة، بمثابة رسالة تقول للعالم (لن نرحل) إنها شهادة على أن الإرادة الإنسانية أقوى من القنابل والحدود، وأن الكرامة لا تباع ولا تشترى.

ورغم غياب الدعم الدولي، والصمت الذي يرافق كل جريمة، يواصل الغزيون حياتهم كما يستطيعون، يعيدون بناء الحياة، يبحثون عن الطعام رغم الشح، ويتمسك أطفالهم بالحياة ورؤية الشمس رغم الدمار والسواد، كل ذلك يجسد معنى المقاومة اليومية، ويؤكد أن غزة ليست مجرد قطاع محاصر، بل قلب نابض بالإصرار والإرادة الإنسانية.

الصمود عند أهل غزة لم يعد خيارا مؤقتا، بل واجب إنساني، فالحياة أقوى من الاحتلال، والكرامة أسمى من كل حصار، ورغم الجوع والدمار، ستظل غزة رمزا حيا للصمود، ودليلا على أن الإنسان قادر على مواجهة أبشع أشكال الظلم بالصبر، والإرادة، والإيمان بحقه في الحياة.

الغد

مواضيع قد تهمك