بعدما ظنت أنها تجاوزت جائحة كورونا وبدأت تستعيد الحياة الطبيعية لسكانها، تبدو إسرائيل على حافة فقدان السيطرة على العدوى التي تفجرت مجددا على شكل موجة ثانية أوسع وأشد بمعدل 1000 إصابة في اليوم، مما دفع حكومتها لتجديد الإجراءات والقيود الصارمة المرشحة لضرب اقتصادها مرة أخرى.
بالتزامن قدمت موظفة كبيرة في وزارة الصحة الإسرائيلية استقالتها على خلفية انتقادات متصاعدة لمعالجة الجائحة التي سبق وأطاحت بوزير الصحة السابق يعقوب ليتسمان.
وفي إطار المساعي لحصر الجائحة صادقت الحكومة الإسرائيلية على سلسلة من الإجراءات الوقائية بما في ذلك إغلاق قاعات الأفراح والعروض الثقافية والنوادي الليلية وبرك السباحة العامة وتحديد عدد المسافرين في الحافلات بعشرين راكبا فقط مع منع تشغيل المكيفات. كذلك تقييد ريادة المطاعم والمقاهي رغم الأزمة الاقتصادية الصعبة نتيجة التقييدات التي دفعت لدائرة البطالة نحو مليون عامل وعاملة.
تقييد المرافق العامة
وفي ظل الكشف عن معطيات تفش كبير للعدوى صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بالقراءتين الثانية والثالثة على مشروع قانون يسمح للحكومة بإصدار تعليمات تقيد نشاط المرافق العامة دون الحصول مسبقا على موافقته.
وأعرب عدد من نواب المعارضة في الكنيست عن احتجاجهم على هذه الخطوة، معتبرين إسرائيل تسير على درب كوريا الشمالية المتميزة بنظامها الاستبدادي. كما تمت المصادقة على مشروع القانون القاضي برفع الغرامة المفروضة على عدم ارتداء الكمامة لتصبح 150 دولارا والمشروع الخاص الذي ينص على تمديد فترة الاستحقاق لتلقي بدل البطالة حتى منتصف الشهر المقبل. ويحدد بعشرين على الأكثر عدد الركاب في كل حافلة عامة. كما يحدد بعشرين شخصا على الأكثر التجمهر بشكل عام، وبخمسين على الأكثر عدد رواد كل مطعم.
كذلك تقضي القيود الجديدة باقتصار دور العبادة على 19 مشاركا، بسبب تفشي فيروس كورونا، وتأتي هذه الاستجابة بسبب الارتفاع الحاد في معدلات الإصابة به من خلال اقتصار التجمعات في المناسبات في القاعات والمآدب والمطاعم والبارات، إضافة إلى حصر المشاركة في دور العبادة.
فيما نقلت تسريبات صحافية عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قوله إن أخطر عدو سياسي عليه هو ليس “أزرق- أبيض” ولا أحزاب المعارضة بل فيروس كورونا في ظل تدني شعبيته لدى الإسرائيليين. وفعلا هذا ما تعكسه استطلاعات رأي متتالية إذ أظهر استطلاع للقناة الإسرائيلية 12 تراجع ثقة الإسرائيليين في حكومة الاحتلال وبأداء رئيسها بنيامين نتنياهو خصوصا في إدارة الأزمة الناجمة عن عدوى كورونا.
ويؤكد 59% من الإسرائيليين عدم ثقتهم بإدارة الحكومة لأزمة الموجة الثانية من العدوى فيما قال 49% منهم إن إدارة نتنياهو للأزمة سيئة، مقارنة مع 36% في يونيو/ حزيران المنصرم و23% في أيار/ مايو الماضي. ومع ذلك يحتفظ حزبه “الليكود” بمرتبة الصدارة بل يزيد قوته مقارنة في الانتخابات العامة الأخيرة فيما يفقد نحو نصف قوته حزب “أزرق- أبيض” برئاسة بيني غانتس وزير الأمن، وتزداد قوة حزب “ميرتس” الصهيوني اليساري، ويختفي حزب “العمل” عن الخريطة الحزبية، وتحافظ القائمة العربية المشتركة على قوتها.
وفي ظل استشراء كورونا في موجة جديدة قدمت رئيسة خدمات الصحة العامة في وزارة الصحة البروفيسور سيغل ساديتسكي استقالتها وعللت ذلك بالقول في منشور على صفحتها في فيسبوك إن إسرائيل اتجهت وما زالت تتجه نحو موقع خطير في الأسابيع الأخيرة منوهة لارتفاع عدد الإصابات.
سادتسكي، التي اتخذت خطا متشددا لمواجهة الفيروس، أوضحت أن إسرائيل حققت نجاحا في مواجهة الموجة الأولى وما لبثت أن انفصلت عن دول غربية رائدة وذلك بانحرافها عن السياسة المعتمدة في الغرب بعدما سارعت لرفع القيود والسماح بفعاليات اجتماعية قبل الأوان.
ووجهت أصابع الاتهام لمسؤولين كبار في وزارة الصحة والحكومة باتباع خطوات عشوائية وعجولة والتصرف بشكل غير مهني مما دفع البلاد للتورط بموجة ثانية من العدوى رغم تحذيرات مسبقة باحتمال تحقق هذا الاحتمال. وتعقد حكومة الاحتلال الأسبوع القادم جلسة جديدة بشأن إعادة فرض الإغلاق التام، بعدما حذر رئيسها بنيامين نتنياهو من اقتراب إسرائيل نحو فرض الإغلاق التام وفرض حظر التجول الشامل. ووافقت الحكومة على سلسلة من الإجراءات لمكافحة الفيروس، بما في ذلك: إغلاق القاعات والمناسبات، وتقييد مقاعد المطعم لما يصل إلى 20 شخصًا في الداخل و 30 في الخارج، وإغلاق صالات الألعاب الرياضية والمسابح العامة، وإلغاء المخيمات الصيفية من الصف الخامس الابتدائي وما فوق.
الاستعانة بالمخابرات
وبالتزامن صادق الكنيست على قانون يُتيح للحكومة الاستعانة بجهاز الاستخبارات العامة (الشاباك) من أجل إخضاع المواطنين للمراقبة على مدى ثلاثة أسابيع لتتبع الحالات “التي لا يمكن مراقبتها بطريقة أخرى”. يشار إلى أن نتنياهو سمح في منتصف آذار/مارس لـ”الشاباك” بجمع بيانات حول مواطنين مصابين أو خالطوا مصابين وتحديد مواقعهم الجغرافية عبر تعقب إشارات هواتفهم الخلوية في إطار “الحرب” على جائحة كورونا.
وأظهرت بيانات لمركز البحوث والمعلومات التابع للكنيست الإسرائيلي أن معظم الإصابات (68%) بين الإسرائيليين بفيروس كورونا جرت داخل المنازل وانتقلت العدوى من أحد أفراد الأسرة للبقية، بينما أصيب حوالي عُشر المصابين (10.3٪) في المدارس والاجتماعات والجامعات.
68% بين الإسرائيليين المصابين بفيروس كورونا أصيبوا داخل المنازل وانتقلت العدوى من أحد أفراد الأسرة للبقية
ولفتت إلى أن 5.8٪ من المصابين تعرضوا للفيروس في المراكز الطبية، و3.9٪ تعرضوا لها خلال حدث أو مؤتمر، فيما 2.2٪ تعرضوا للإصابة أثناء زيارة كنيس وحوالي 2٪ من الإصابات جاءت عبر الاحتكاك في المراكز التجارية أو المحال التجارية، فيما أصيب فقط 1.8٪ في أماكن الترفيه، بينما 8.2٪ من الإصابات لم يكشف مكان حدوثها. وأفادت القناة الإسرائيلية 13 التي كشفت التفاصيل هذه بأن وزارة الصحة الإسرائيلية امتنعت حتى الآن عن عرض هذه البيانات.
مجلس الأمن الغذائي
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المأزومة أوصى “مجلس الأمن الغذائي القومي” بمضاعفة حجم المساعدات الغذائية التي تقدمها الدولة، بحيث تبلغ نحو 25 ألف عائلة علما أن “المشروع القومي للأمن الغذائي” يساعد الآن حوالي 11 ألف عائلة. وحسب المجلس فإن عدد العائلات التي تعتبر عائلات محتاجة يتراوح بين 140 – 150 ألف عائلة، معظمها لديها أولاد، وحتى لو تمت المصادقة على هذا الطلب فإن المساعدات المطلوبة ستعطى لأقل من 20 % من العائلات المحتاجة إليها.
وتنوه صحيفة “هآرتس” بهذا الصدد إلى أن المشروع الحكومي لمساعدة العائلات المحتاجة بدأ قبل نحو أربع سنوات، لكن لم يتم شمله أبدا في أساس الميزانية. وتؤكد أن الادعاء بأنه لا يوجد شعور بالجوع يعكس عدم الاعتراف بالواقع، منوهة لانتقادات وجهها رئيس المجلس القومي للأمن الغذائي البروفيسور دوف تشيرنيخوفسكي للوزير تساحي هنغبي الذي نفى وجود عائلات لا تجد ما تأكله.
وأضاف تشيرنيخوفسكي بأنه “في محادثات ولقاءات كثيرة مع السياسيين في السنوات الأخيرة حول البرنامج تمكنت من ملاحظة صعوبة عقلية وسياسية في الاعتراف بأنه توجد مشكلة انعدام أمن غذائي في إسرائيل. عدد منهم ببساطة منقطعون عن الواقع”. وقال إن انعدام الأمن الغذائي في دول متطورة، منها إسرائيل، يعتبر غيابا للقدرة على الوصول بصورة سليمة إلى الغذاء بكميات كافية تمكن من حياة صحية ونشطة.
ولفت لبحث نشرته مؤخرا مؤسسة التأمين الوطني أفاد بأن نسبة البطالة الكبيرة في أعقاب تفشي كورونا أدت إلى ارتفاع معدل الفقر، وتابع: “من شبه المؤكد أن انعدام الأمن الغذائي اشتد في أوساط جميع العائلات”. ويندرج المواطنون العرب الفلسطينيون في إسرائيل ضمن الشرائح الأكثر تضررا من استشراء العدوى التي تتفشى في بعض بلداتهم بكل واسع الآن، خاصة في منطقة النقب التي تسببت بانتقال العدوى لمنطقة الخليل المجاورة في الضفة الغربية.
موجة كورونا جديدة تضرب إسرائيل وتطيح بمسؤولة كبيرة في وزارة الصحة

كرمالكم :