عن القدس العربي/
لا يمكن القول بأن قطبا برلمانيا سبق له أن تقلد أعلى المناصب في الدولة الأردنية مثل عبد الكريم الدغمي تحديدا يهجم وبقسوة على رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وفي ظرف معقد وحساس تمر به البلاد مجانا وبدون هدف أو حتى بدون رسالة.
الدغمي وهو بطبيعة الحال يتحضر كالعادة لانتخابات 2020 طلب علنا وعلى البث المباشر في إحدى الشاشات من الرزاز أن يقطع رأسه إذا لم يعجبه الكلام لأنه –أي الدغمي– سيقول ما يريده بكل حال.
لأول مرة يتحدث أحد لاعبي التشريع والسياسة الكبار في النخبة عن رئيس الوزراء “المستشرق”.
وسط صدمة المذيع قالها الدغمي وكررها بإصرار في وصف رئيس الوزراء وبلغة قاسية جدا: “رئيس الوزراء مستشرق ولا علاقة له بالوطن”.
تلك تهمة من الوزن الثقيل تداولها الناس على لسان الدغمي بكثافة وسط المنصات الاجتماعية.
لافت جدا للنظر أن أحدا في الحكومة أو السلطة لم يراجع أو يعلق أو يرد على تلك التهمة، الأمر الذي يؤشر ضمنيا على أن رموز الحرس المحافظ في النخبة الأردنية ضاق بهم الأمر لا بل قد يؤشر سياسيا على أن الغطاء في طريقه للرفع عن حكومة الرزاز، وأن نهش تلك الحكومة ورمزها الأساسي أصبح مسموحا لأن الدغمي بالعادة يقرأ الممحي ولا يتقدم علنا بمثل تلك الاتهامات الخطيرة بدون “تنسيق محتمل” على الأقل، المحيطون بالرزاز قرأوا الأمر مبكرا على هذا النحو.
ويلاحظ في السياق أن الدغمي يتحدث عن استشراق رئيس الوزراء بعدما سربت جهة ما وثيقة سجلات الناخبين التي تقول بوضوح بأن المواطن عمر منيف الرزاز كناخب يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية وليس في أي دائرة انتخابية أردنية.
تلك طبعا تبقى مشاغبة بيروقراطية صغيرة بلا معنى وتتعلق بإثبات جزئية أن الرزاز لم يشارك في الانتخابات سابقا
تلك طبعا تبقى مشاغبة بيروقراطية صغيرة بلا معنى وتتعلق بإثبات جزئية أن الرزاز لم يشارك في الانتخابات سابقا في بلاده وذلك أيضا بلا معنى إلا إذا كان الهدف الاصطياد في مياه الحكومة.
لم يقدم الدغمي الذي سبق له أن اعترف علنا بأن مجلس النواب مجرد “ديكور” أدلة تثبت اتهاماته للرزاز.
لكنه تحدث عن استثمار الحكومة في الكمامة الطبية لتكميم الأفواه وعن “تخبيص” لم يعد يحتمل في ظل أزمة كورونا، وعن قرارات وتصريحات متناقضة للوزراء وحكومة عجيبة غريبة دمرت الإدارة وطردت الموظفين وفقدت كل شيء بما في ذلك مبرر وجودها.
ثمة روايات لتلك الهجمة من أحد رموز التيار الكلاسيكي في هيكل الدولة الأردنية على رئيس وزراء نجح فيما يبدو بإقناع قطاعات شعبية واسعة بأن حكومته هي التي ستعمل على استعادة مال الدولة أولا، وكسر ظهر الفساد ثانيا.
الواقع يقول بأن ظهر الفساد لم يكسر وبأن هتاف استعادة مال الدولة انتهى باستعادة حفنة ملايين من الدنانير دون التوقعات الرسمية.
والواقع يقول نفسه ضمنا بعدة سيناريوهات لتفسير هجمة الدغمي المباغتة وأولها أن الأخير يتجهز للانتخابات وإن كان منطقيا لا يحتاج لمثل هذه الهتافات فمقعده مضمون دوما في البرلمان.
وبين السيناريوهات اشتمام الدغمي لأن الغطاء رفع عن الرزاز أو أن حكومته أصبحت آيلة للسقوط وبينها أيضا الإحساس العام بأن الحكومة تترنح وبأن توجيه تهمة ثقيلة من هذا النوع لرئيسها لا ينتهي بعواقب وعقوبات.
تلك مناجزة مثيرة في الحالة النخبوية الأردنية وثمة من يعتقد بأن الحرس القديم بدأ ينظم صفوفه لإخراج حكومة الدوار الرابع من المعادلة قبل الانتخابات المقبلة مع أن شراسة هجمة الدغمي حصريا على حكومة الرزاز قد تخدم الأخير بالنتيجة لأنها تكسبه أنصارا في كل اتجاه بمقابل المستويات التي قد يخسرها في المجتمع فما يقوله أنصار الرزاز ضمنيا هو أنهم يحاولون إصلاح وصيانة الطائرة التي سبق أن حلق بها كثيرون من مدرسة الدغمي بحكم تقلده لعدة مناصب في الماضي.
الأهم في الخلاصة السياسية أن الصراع بدأ وأن الدغمي بجملته الشرسة مجرد تعبير أولي عنه –أي صراع– إلى أن يشاهد الجميع الدخان الأبيض والذي قد يبدأ لصالح الرزاز حقا إذا ما شوهد بعد عشرة أيام اسم الدغمي ضمن كشوفات التشكيلة الجديدة لمجلس الأعيان بمعنى رسالة في الاتجاه المعاكس لمشاركته في الانتخابات.