كان عام 2022 عامًا بارزًا لقطاع النفط حيث ارتفعت الأسعار إلى أعلى مستوياتها في عقد من الزمن، وقفز خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت إلى 120 دولار للبرميل خلال النصف الأول من عام 2022 مع عودة الطلب بعد عمليات الإغلاق الوبائي، بالإضافة إلى اضطرابات الإمدادات الناجمة عن العقوبات المفروضة على روسيا، ولكن الأسعار بدأت تتجه نحو الانخفاض في النصف الثاني تاركة كلا النوعين من النفط الخام في طريقهما لإنهاء العام في نفس منطقة الأسعار التي بدأت بها.
وفي الوقت نفسه، واجهت إمدادات الغاز الطبيعي الأوروبية عقبات حيث تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في غموض الأسواق والاقتصادات العالمية، بحلول أغسطس 2022 وصلت أسعار الوقود المستخدم لتدفئة المنازل إلى أعلى مستوى لها في 14 عامًا عند 9.71 مليون وحدة حرارية بريطانية.
معظم التقلبات التي شوهدت في تداول أسعار النفط خلال العام الماضي نتجت عن إعلان الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث عطلت الحرب إمدادات الطاقة من روسيا والتي شكلت العام الماضي أكثر من 10% من إمدادات النفط الخام العالمية و 40% من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي.
ومع ذلك، فإن الحرب الجارية لا ينبغي أن يكون لها مثل هذا التأثير الواضح على أسعار الطاقة خلال 2023، حتي إذا حدث تصعيد كبير للحرب التي يشارك فيها الناتو وهو أمر غير محتمل، فمن غير المرجح أن تتسبب الحرب في ارتفاع الأسعار أو انخفاضها بشكل حاد خلال 2023 كما كان الحال في عام 2022.
كيف كان أداء أسعار النفط في عام 2022؟
وسط ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة ساءت التوقعات الاقتصادية العالمية ودفعت أسعار الطاقة للانخفاض، وتراجعت أسعار النفط الخام إلى ما دون 90 دولار في نوفمبر وهو أدني مستوي له في قرابة العام وظلت عند هذا المستوى منذ ذلك الحين، ويرجع الكثير من ذلك إلى عمليات الإغلاق في الصين التي أدت إلى انخفاض الطلب، كما أدى ارتفاع أسعار الغاز إلى انخفاض الطلب في الولايات المتحدة.
من المتوقع أن تستمر هذه الظروف الاقتصادية الضعيفة في العام الجديد، على الرغم من أن بعض المحللين يعتقدون أن الركود العالمي يمكن تجنبه، ولكن لا تزال توقعات النمو العالمي متدنية لكننا لا نرى الاقتصاد العالمي في خطر وشيك بالانزلاق إلى الركود في أوائل عام 2023، فحاليًا يتم تخفيف عبء الظروف المالية من خلال تلاشي سلسلة التوريد وصدمات أسعار السلع الأساسية.
أدى التضخم المرتفع والسياسة النقدية الصارمة في عام 2022 إلى تقلص نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي بمقدار النصف تقريبًا، من 6% في عام 2021 إلى 3.2%، ومن المتوقع أن ينكمش هذا الرقم إلى 2.7% في عام 2023 وهو ما يمثل أضعف فترة نمو منذ عام 2001.
من المتوقع أن يؤدي الأداء الاقتصادي الخافت إلى الحفاظ على أسعار الطاقة من الارتفاع، ومع ذلك، ستظل مرتفعة بسبب نقص المعروض، وسط خفض إنتاج أوبك بلس والعقوبات على صادرات الطاقة الروسية.
قضية إمدادات النفط لا تزال قائمة
مع العقوبات المفروضة على روسيا (ثالث أكبر دولة منتجة للنفط) والتي أعاقت الإنتاج من ذلك الدولة، لهذا يتطلع العالم إلى عوامل أخرى التي تشمل زيادة إنتاج أوبك بلس والرفع المحتمل للعقوبات على إيران وفنزويلا والمزيد من إطلاق احتياطيات النفط والنمو الاقتصادي العالمي، مع التركيز على زيادات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى معدلات الطلب من الصين في أعقاب تخفيف اجراءات صفر كوفيد.
بالنسبة للنفط لا يزال العرض مصدر قلق، لن تحتاج الدول فقط إلى تأمين إمدادات ثابتة للحفاظ على استمرارية اقتصاداتها ولكن ستحتاج دولًا مثل الولايات المتحدة أيضًا إلى تجديد الاحتياطيات التي استغلتها في وقت سابق من عام 2022.
ففي عام 2022 أفرجت الولايات المتحدة عن 180 مليون برميل من النفط الخام من احتياطيها البترولي الاستراتيجي محققة ما مجموعه 4 مليارات دولار، ويضم الاحتياطي حاليا 378.62 مليون برميل انخفاضا من 598.92 مليون برميل قبل عام، وكانت الولايات المتحدة قد طلبت من أوبك بلس أن تزيد من انتاجها النفطي لكنها رفضت الطلب الأمريكي معللة ذلك بأن السوق لا يحتاج إلي فائض في المعروض.
من المتوقع أن ينكمش الإنتاج الأمريكي خلال السنوات القليلة المقبلة حيث تختار البنوك الكبرى عدم الاستثمار في القطاع، فالشركات لا تستطيع جمع الأموال لتغطية تكاليف إنتاجها، فعدلات الإنتاج الأمريكي ثابتة لمدة عام ونصف منذ أن تعافت من الوباء ولم يرتفع.
ولكن لدى الولايات المتحدة فرصة فيما يتعلق بالمسال الطبيعي إذا تمكنت من إيجاد طرق أكثر فاعلية لنقلها دوليًا، فسوق الطاقة العالمي يعاني من نقص شديد في الإمدادات.
من المتوقع أن تعمل شركات النفط بشكل جيد
أدى الأداء القوي لعام 2022 إلى منح وكالة فيتش للقطاع نتيجة مستقبلية مستقرة، حيث أشار التقرير إلى أن أداء القطاع في عام 2023 سيظل متماشياً إلى حد كبير مع ذلك في عام 2022، كما جاء في التقرير: "نتوقع أن يتراجع متوسط أسعار النفط والغاز في عام 2023 لأسباب ليس أقلها التباطؤ الاقتصادي، لكن أسواق الهيدروكربونات ستظل ضيقة بسبب انخفاض النفط وخاصة إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا وموقف أوبك بلس الحذر"، ويشير التقرير إلى أن نمو الطلب خارج الصين سيكون حافزًا للأسعار، ومع ذلك، فإن إعادة تقديم بروتوكولات كوفيد 19 يمكن أن تعيق الطلب من الدولة الآسيوية.
توقعات أسعار النفط في عام 2023
يرى العديد من خبراء السوق أن الإنتاج من منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) راكد إلى حد كبير في عام 2023، وتوج بالتخفيض الأخير لحصة الإنتاج، علاوة على ذلك، سيظل إنتاج النفط الإيراني منخفضًا بسبب المسار الضئيل للتوصل إلى اتفاق نووي، لكن إنتاج النفط الفنزويلي من المرجح أن يرتفع بفضل قرار الحكومة الأمريكية الأخير بالسماح لشركة شيفرون باستئناف الإنتاج في البلاد.
ومن المتوقع أن ينخفض الإنتاج الروسي بسبب تشديد العقوبات، بينما من المقرر أن ينمو الإنتاج في الولايات المتحدة، وإن كان بمعدل محدود نتيجة نشاط الحفر الضعيف الأخير من قبل منتجي النفط الصخري.
نتيجة لهذه العوامل السابقة، من المتوقع أن تشهد الأسعار بعض التقلبات، ومن المرجح أن تنخفض أسعار النفط الخام بشكل عام في المتوسط بنحو 7% في عام 2023 عما كانت عليه في عام 2022، فالتوقعات الهبوطية للطلب ستؤثر على الأسعار خاصة مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي مع استمرار البنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الرئيسية الأخرى في تشديد السياسة النقدية، وعلى الرغم من ذلك فإن عدم اليقين سيبقي الأسعار عند أعلى مستوياتها في العقد الماضي حيث تثبت عند مستوى 90 دولار.
ومن جهة أخري، إن زيادة التعطيل في الصادرات الروسية وخفض أوبك بلس الأخير لحصص الإنتاج سيحد من العرض، وبالتالي قد يشهد السوق عجزًا طفيفًا خلال 2023، علاوة على ذلك، هناك مخاطر صعود للأسعار ناجمة عن نمو أفضل من المتوقع في الصين أو انخفاض حاد في العرض أكثر من المتوقع.