عمر عليمات
التجارب العديدة تثبت أن الحكومات
الإسرائيلية وخصوصاً الليكودية منها حكومات تنتهج وتؤمن بسياسة فرض الأمر الواقع،
وتغيير ذلك لا يتم إلا في حالتين اثنتين فقط هما الضغط الدولي الحقيقي أو أن
مصالحها الداخلية تقتضي هذا التغيير.
إسرائيل اليوم غير معنية بمفاوضات غزة
لسبب رئيسي وهو عقدة الانسحاب العسكري من القطاع، فهي تتعامل مع الوسطاء من مبدأ
الأمر الواقع، وأي حديث عن انسحاب لن يتم على الأقل في المرحلة الحالية، نظراً
لغياب الحالتين التي تلجأ فيهما إسرائيل لتغيير الأمر الواقع، فالضغط الدولي ليس
حقيقياً وقوياً بما يكفي لدفع حكومة نتنياهو للقبول بالانسحاب خاصة في ظل الانشغال
الأمريكي بالانتخابات الرئاسية وتردد إدارة بايدن نتيجة حسابات الانتخابات
والأصوات.
والحالة الثانية وهي المصالح الداخلية
للحكومة الإسرائيلية، فهي دافع للبقاء وتثبيت الأمر الواقع وليس تغييره، فمصلحة
نتنياهو إطلالة الحرب والتوسع بها، لأسباب تتعلق بمحاسبته لاحقاً أو لاعتبارات
الائتلاف اليميني المتطرف.
كل ذلك يقودنا إلى الضفة الغربية، فرغم
الهدوء النسبي الذي مارسته الضفة منذ بدء الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة إلا
أنها لم تنجُ من المخططات الإسرائيلية، من خلال سلسلة طويلة من إجراءات شرعنة
البؤر الاستيطانية وتطبيق القانون الإسرائيلي على المناطق التي تديرها السلطة
والتوسع في مصادرة الأراضي الفلسطينية، وأخيراً التدخل العسكري المباشر عبر الحملة
التي تشنها على الضفة وخاصة مدنها الشمالية.
إسرائيل تسعى إلى الاستفادة من الوضع
الحالي، لخلق أمر واقع جديد في الضفة، واستهدافها المحموم للبنى التحتية في
سيناريو شبيه تماماً بما حدث في غزة بداية الحرب، يؤكد أن حكومة نتنياهو تسعى إلى
دفع سكان مدن الضفة إلى الهجرة نظراً لاستحالة الحياة في مثل هذه الظروف خاصة في
حال الاستمرار في ضرب مقومات الحياة اليومية.
إسرائيل فرضت إمراً واقعاً في غزة وهذا
ما لا يجادل أحد فيه، فهي اليوم قوة احتلال تسيطر على كل شبر من القطاع، وأحالته
إلى ساحة دمار غير قابلة للعيش لسنوات عديدة مقبلة، وأي حديث عن تغيير هذا الأمر
مجرد أمنيات لا تستند لواقع، فغزة اليوم غير صالحة للحياة وعملية إعادة الإعمار
فيها من التعقيد ما يجعل من التهجير أمراً اقعاً ولو تأخر قليلاً.
وعلى صعيد الضفة، يبدو أن الأمر يسير
بذات النهج، فحكومة نتنياهو وبعد مخطط طويل من الإجراءات الرامية إلى ضم الضفة،
تمارس حملة تحريض دولي على سكانها وتضرب بينتها التحتية، وترفع من وتيرة إجراءاتها
في ظل تراخي المجتمع الدولي عن القيام بواجبه القانوني والأخلاقي، وإذ ما استمرت
الأمور على هذا المنوال، سنرى غزة أخرى في الضفة الغربية.
فشل العالم في إدراك النهج الإسرائيلي
في فرض الأمر الواقع والتشبث به، ومن ثم التفاوض على مساحات ضيقة منه، سيؤدي إلى
عواقب وخيمة على المنطقة كاملة، وسيصل الجميع إلى مرحلة يكون فيها الانفجار
الإقليمي أمراً محتوماً نتيجة الواقع الإسرائيلي المفروض بالقوة والتراخي الدولي
غير المبرر.
باختصار، إسرائيل لن تخرج من غزة ولا من الضفة إلا إذا أدرك العالم خبث وعبثية هذا النهج، أو حدث في إسرائيل ما يجعلها تعيد حساباتها الداخلية، فما جرى في غزة من فرض للأمر الواقع، يجري اليوم تجربته في الضفة، فنحن أمام مشهد جديد سيقام على أنقاض أوسلو، وستكون المنطقة أمام نكبة تهجير جديدة، والخوف أن يديرها العالم وفق نهج الأمر الواقع الإسرائيلي، ونصل إلى مرحلة يكون فيها التوطين خارج فلسطين أمراً واقعاً.
الدستور