شريط الأخبار

الإخوان المسلمون في الأردن: حليف الدولة وخصمها.. ما القادم؟

الإخوان المسلمون في الأردن: حليف الدولة وخصمها.. ما القادم؟
كرمالكم :  

عدنان البدارين

واجهت جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط معارضة كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث صنّفتها مصر والسعودية والإمارات والبحرين وروسيا وسوريا منظمة إرهابية، فيما تضع دول أخرى قيودا على نشاطاتها.

في الأردن، تعرضت الجماعة، التي كانت تاريخيًا معارضة مخلصة للدولة، لانتقادات شديدة نتيجة تراجع الرغبة الشعبية في الاحتجاج والإصلاح بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتنمية الدولة لهذه الرغبة. كما واجهت الجماعة توترات داخلية بارزة، بانقسامها أكثر من مرة لعدة أسباب أبرزها الضغوطات الأمنية، وتركيبة الحركة الديموغرافية وارتباطاتها الدولية.

حتى نهاية ثمانينيات القرن العشرين، وجدت جماعة الإخوان المسلمين حليفاً قوياً في الدولة، مما سمح لها بمواصلة أعمالها السياسية المغلفة بالنشاطات الخيرية مثل المركز الإسلامي. حيث وجدت الجماعة والدولة عدواً مشتركاً في الشيوعية والحركات القومية العربية التي كانت منتشرة في المنطقة.

حققت جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين انتصارات كبيرة في الانتخابات التشريعية لعام 1989، حيث فاز 22 نائباً إسلامياً من بين 80 نائباً، بنسبة مشاركة بلغت 53.1%. كان هذا إيذاناً بوصول الجبهة إلى الساحة السياسية الأردنية كلاعب رئيسي، بعد فترة طويلة من الاحكام العرفية الي كانت تمنع النشاط السياسي.

كما لعبت الجماعة تاريخياً دور حركة "المعارضة الموالية للدولة"، حيث كانت تعارض بعض سياسات الحكومة، لكنها تتعاون بشكل كبير مع الدولة. رغم التوترات منذ عام 1993، استمر التعاون بين الإخوان المسلمين والدولة، حيث منحت الحكومة للجماعة مساحة للعمل.

كذلك تميز التنظيم في الأردن بعدم اعتماده على زعيم كاريزمي، بل على الدعاة، الناشطين الدينيين، النقابيين، وشخصيات مهنية صاعدة من الطبقة المتوسطة، الامر الذي لا يشكل تهديدا لسلطة أحد.

بقى الامر كذلك حتى سلطت احتجاجات الربيع العربي الضوء على الحاجة إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن. خلال الأعوام التالية هيمنت احتجاجات واسعة من قبل الإخوان المسلمين، النقابات المهنية، والأحزاب اليسارية على المشهد السياسي في الأردن. وشددت المطالب على الإصلاح الاقتصادي، خاصة تعزيز قوانين مكافحة الفساد، العدالة الاجتماعية، وتغيير قانون الانتخابات الصادر في عام 1993.

في ذلك الوقت أصبحت جماعة الإخوان المسلمين أكثر جرأة في التعبير عن أهدافها السياسية. في كانون ثاني 2013، تعهدت الحركة بأن الأردن سيصبح "دولة في الخلافة الإسلامية". حتى بعد سقوط التجربة في مصر، استمرت الجماعة في الأردن في دعم نظيرتها المصرية، من خلال تنظيم فعاليات مثل مهرجان "في خدمتك يا أقصى" للتضامن مع الجماعة في مصر بعد عزل محمد مرسي. في تموز 2013، وصف حمزة منصور، رئيس جبهة العمل الإسلامي، ما حدث في مصر بـ"الانقلاب".

رغم ذلك، كان لفشل الإخوان المسلمين في مصر تأثير كبير على الجماعة في الأردن، حيث فقدت الأخيرة الأرضية الصلبة التي كانت تقوم عليها والبيئة التي غذتها. عمق هذا الفشل الانقسامات داخل الجماعة وزاد من خلافاتها مع فروعها في الخارج، مما حول الأزمات المؤقتة إلى أزمات دائمة. في 11 شباط 2016، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن فك ارتباطها بمصر.

قيادة الإخوان المسلمين للربيع العربي والاحتجاجات وقلب ظهر المجن على حليفها الدائم، الدولة، ما أدى إلى شرخ وقطيعة باستثناء بعض القنوات الخلفية الضرورية. الأجهزة الأمنية اعتبرت الجماعة غير موثوقة، رغم أن بعض مفاصل أخرى في الدولة كانت أقل حدة في موقفها.

في مقابلة مع شبكة سي. بي. إس، وقناة بي. بي. إس، ووكالة بلومبيرغ للأنباء، قال الملك عبدالله الثاني بأن أول من التقى بهم عند بداية الربيع العربي كانوا جماعة الإخوان المسلمين. وأوضح الملك أنه اقترح عليهم تجاوز المجاملات والبحث عن أرضية مشتركة للعمل سويًا من أجل المضي قدمًا.

 

وأشار الملك إلى أن الإخوان طلبوا العودة إلى دستور عام 1952، فرد عليهم بأنه بإمكانهم الذهاب أبعد من ذلك، مشيرًا إلى تعديل ثلث الدستور.

 

كما طلب الإخوان تأسيس نقابة للمعلمين، وإقرار قانون جديد للأحزاب السياسية، فضلاً عن قانون انتخابات جديد. وافق الملك على هذه المطالب شريطة أن يكون قانون الانتخابات عادلاً للجميع.

 

وفيما يتعلق بالحوار الوطني، دعا الملك إلى إجراء حوار شامل يضم كافة الأطراف، وطلب من الإخوان المشاركة فيه. إلا أن الإخوان قرروا الاستمرار في التظاهر في الشارع ومقاطعة الحوار.

صرح زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت، بأن الجماعة اختارت البقاء في الشارع ليس ضد مصلحة الوطن، بل لقناعتها بفشل خيار الصناديق الانتخابية.

بعد أن استعادت الدولة الأردنية زمام الأمور عقب أحداث الربيع العربي، وأدارت المشهد بحرفية وحنكة سياسية مميزة، نجحت في تجنيب البلاد السيناريوهات الدموية التي غرقت فيها دول إقليمية أخرى. جاء وقت التقييم، حيث تواجه الدولة تحديات تتطلب المراجعة العميقة لمرحلة ما بعد الأزمة، ومحاسبة الأخطاء، وتعزيز مكامن القوة.

لذلك أصبح ضرورياً التركيز على ترسيخ الاستقرار، عبر بناء منظومة إصلاحية حقيقية تضمن تعزيز الثقة بين الدولة والمواطن، ومعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، التي قد تشكل شرارة لأي اضطرابات مستقبلية.

لم يغب عن الدولة ضعف جماعة الإخوان المسلمين بعد الربيع العربي وانقساماتها الداخلية، واعتبرت ذلك فرصة لتقليص نفوذها ودفعها نحو العزلة. ورغم ذلك، لم تسعَ إلى استبعادها بالكامل من المشهد السياسي، إدراكًا لدورها كصوت سياسي متماسك داخل المجتمع، وكعنصر مهم في احتواء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ويعيد التاريخ يعيد نفسه؛ فكما فاز الإخوان المسلمون في انتخابات 1989 بعد أحداث سياسية كبرى مثل انتفاضة الحجارة، عادوا لتحقيق مكاسب شعبية ملحوظة بعد "طوفان الأقصى"، مما يؤكد قدرتهم على استثمار الأزمات لتعزيز حضورهم السياسي. حيث كانت نتيجة الانتخابات النيابية في 2024 هي الأفضل للإسلاميين منذ 35 عاماً وحصلوا على 31 مقعدا. ويقول المراقبون إن تركيز حزب جبهة العمل الإسلامي على الصراع في غزة كان أحد أسباب النجاح. ولكن الحزب نجح أيضاً في استقطاب أصوات من مجموعات أخرى خارج قاعدته.

في هذه الانتخابات، تم تخصيص 41 مقعدًا - أو 30٪ - من مقاعد البرلمان للأحزاب السياسية. في عام 2028، ترتفع هذه النسبة إلى 50٪ ثم في عام 2032، إلى 65٪ من المقاعد. إذا مضت الإصلاحات قدمًا، فقد تهيمن جبهة العمل الإسلامي على البرلمان.

أثارت نتائج الانتخابات بعض القلق لدى الدوائر الأمنية، إلا أن مصادر أشارت إلى أن الملك عبدالله الثاني لم يبدِ قلقًا من هذه النتائج. بل ركز اهتمامه على التحديات الإقليمية، ومنها الحرب التي تشنها (إسرائيل) على غزة، وتصاعد نشاط المستوطنين في الضفة الغربية، والتصريحات التحريضية الصادرة عن وزراء في الحكومة الإسرائيلية، وفي وقت لاحق فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الاميركية، والتي تشكل مجتمعة تهديدًا لاستقرار المنطقة والأردن.

في النهاية من غير المرجح أن تتبع الدولة الأردنية نهج دول أخرى كـمصر أو الإمارات في فرض حظر كامل على جماعة الإخوان المسلمين، خاصة في ظل خصوصية المشهد السياسي الأردني وتعقيداته. فالجماعة، رغم تراجع نفوذها في السنوات الأخيرة، ما زالت تشكل جزءًا من النسيج السياسي والاجتماعي في البلاد، مما يجعل استبعادها بالكامل خيارًا محفوفًا بالمخاطر.

بدلاً من ذلك، من المرجح أن تواصل الدولة سياساتها القائمة على ممارسة ضغوط مدروسة تهدف إلى إضعاف الجماعة تدريجيًا، دون دفعها نحو الخروج الكامل من المشهد السياسي. هذه الاستراتيجية تتيح للنظام إبقاء الجماعة تحت السيطرة، مع الحد من قدرتها على الحشد والتأثير المباشر على الشارع الأردني.

ومع ذلك، فإن هذه السياسات، إذا اتسع نطاق تطبيقها، قد تؤدي إلى زيادة الاحتقان الشعبي، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتحديات الاجتماعية المتفاقمة. هذا الاحتقان قد يتحول إلى حالة من عدم الرضا العام، ما يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تسعى الدولة جاهدة للحفاظ عليه.

مواضيع قد تهمك