شريط الأخبار

(هظاك ) المرض ... الشر برا وبعيد

(هظاك ) المرض ... الشر برا وبعيد
كرمالكم :  
الدكتور محمد رسول الطراونة أمين عام المجلس الصحي العالي السابق
(هظاك) أو ذاك المرض الذي يتجنب الكثيرون في مجالسهم تسميته،خوفًا من أنه إذا نطقوا أسمه تجسد وشاع صيته، وكأنهم باستخدامهم إسم الإشارة البعيد ( هظاك) جعلوا بينهم وبينه سدًا منيعا، أو ألقوا بتعويذة في وجهه، فما اقترب منهم أو مسهم وما استطاع اليهم سبيلا ، يقولون عنه " الخبيث " همسًا ووشوشة صامتة لا تتحرك معها شفاههم ، لا يتلفظون باسمه الحقيقي - السرطان- ولا يلومهم أحد في ذلك، فهو خبيث يراوغ التشخيص و العلاج ويسعى إلى المكوث طويلا في الاجساد والتنكيل بها ، تصور ساد في الماضي، ولازال مستمرا عند البعض ممن فهمهم للمرض قاصر ولا يعلمون عنه إلا أنه خبيث ومميت ولا يجب أن نطريه أو نتكلم عنه خوفاً أن يُصاب أحدنا بعدواه ، يعتقدون أن مريضه لا بد أن يعتزل الناس، فأيامه أصبحت معدوده.
السرطان، الكلمة الملْعونة وأكثر كلمات الضاد لعنة، فعندما يُصاب أحد بالسرطان، يقولون بحزنٍ وشفقة " مسكين معه الخبيث "أو معه ذاك المرض، يخشون ذكرَ اسمه فيذكرونه تلميحاً لا تصريحاً، وكأنّه معدٍ بمجرد التفَوْه بِلفظته، يذكرون محاسن الشخص المصاب به و كأنه أضحى مع الأموات ، وكأن السرطان لا شفاء منه، وأنَّ النهاية الحتمية له الموت. إنه ذاك المرض- السرطان - الذي بات العالم يحتفل به كل عام في الرابع من شباط من خلال تظاهرة ينظمها الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان لرفع الوعي العالمي من مخاطر المرض وذلك عبر الوقاية والكشف المبكر للمرض والعلاج، وبهدف إظهار الدعم لمرضى السرطان واتخاذ إجراءات وقائية وتوعوية ، ذاك المرض الذي يمكن تجنب الإصابة بـ40 % من حالاته باتباع نمط حياة صحي وتناول غذاء صحي وبالمحافظة على وزن صحي وتجنب السمنة وممارسة الرياضة بانتظام والإقلاع عن التدخين المسؤول عن حوالي 22% من وفيات السرطان ومن خلال إجراء الفحوص الدورية للكشف المبكر، ويمكن تبني كل هذه الاجراءات تحت شعار هذا العام " سد فجوة الرعاية الصحية " بهدف رفع الوعي بالسرطان في كل مكان؛ لضمان الوقاية والعلاج لأكبر عدد ممكن من الناس.
نحن في الاردن محظوظون ، إذ لدينا مؤسسة الحسين للسرطان ومركز الحسين للسرطان ومراكز متخصصة لعلاج السرطان في وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية والمستشفيات الجامعية حيث تكرس الجهود لإنقاذ حياة المرضى من خلال توفير أفضل علاج شمولي لمرضى السرطان والتوعية بأهمية الكشف المبكر عن السرطان وطرق الوقاية منه.
أحبتي مرضى السرطان ، جميل أن نخاف الموت وأن نعد أنفسنا لهذا الموقف العظيم ولكن لا ينبغي أن نترك أنفسنا للحزن لِيُسيطر علينا ، فالأجل لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى وشدة المرض لا تعني قُرب الأجلِ والموت، كما هي الصحه والعافيه لا تعني البعد عن الموت ، ورحم الله الإمام الشافعي حين قال : فكم من صحيح مات من غير عِلةٍ وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر ، نعلم أن الالم كبير لكن الامل أكبر، و نعلم بأن معاملة الناس تُتعبكم أكثر من المرض نفسه، تتعبكم نظرات الشفقة التي تدفعكم لمُواجهة الناس أكثر من مواجهة المرض، فذاك المرض لا يعني انتهاء الحياة، بل هو باب جديد للتحدي والأمل ، فالإنسان خلق بغريزة البقاء، وعلى أتم الاستعداد لمواجهة أي شيء يعوق وجوده، فثق بالله واضرب على قلبك لكي يهدأ، فالقرب من الله هو النجاة، فهو القادر على كل شيء ويستطيع أن يقلب الحال في لحظة فاطمئن، لا تقف مكانك وتعتقد أن الحياة انتهت، قم وانهض وافعل الأشياء التي تريد أن تفعلها ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وتذكر قول ابن سينا " الوهم نصف الداء والاطمئنان نصف الدواء " والصبر أول خطوات الشفاء.
أخي وأختى من مرضى السرطان ، بصرف النظرعن التكنولوجيا الطبية المتقدمة ، فتذكروا أن قوة الإرادة من أنجع الأسلحة الفعالة في معركتكم ضد السرطان وتجاوز صعوبات العلاج لان اليأس حتما يؤدي إلى تفاقم الحالة ، أما الشعور بالتفاؤل فيؤدي إلى تحسن الحالة بشكل كبير الى حد يفوق توقعات الاطباء.
أحبتي مرضى السرطان ، ليس كل مُصابٍ بِذاكَ المرض محكوم عليه بالإعدام أو أن مَلَكُ الموت يلازمه و ينتظر الأمر الإلهي ليقبض روحه وليس كل مصاب بِهِ أصبح وجوده هَماً لا بد أن ينظر إليه الجميع بعطف وشفقه ويُصبح موضع العنايه من الكُل ليشعر بدنو أجله وأنه ميت لا محاله بسبب ذاك المرض .
وأنت أخي المواطن ، لتعلم بان السرطان يتفاقم عند اكتشافه في مرحلة متأخرة لأن هذا التأخير يسمح للمرض بأن يستفحل ويتسبّب في أضرار يستعصي علاجها تمامًا، ولهذا، أناشدك كما أناشد الجميع في هذا الشهر وفي كل الاوقات أن تجتهدوا في زيادة معرفتكم ومعلوماتكم حول علامات الانذار المبكر للسرطان وأعراضه ؛ وبادروا باجراء الفحوصات الدورية للكشف المبكر عن ذاك المرض وألا تخشوا طلب المساعدة من أهل الاختصاص فورا.
وأختم كلامي بتذكير إولي الامر في وزارة الصحة وشركاؤهم، بضرورة تبني استراتيجية وطنية لمكافحة السرطان وتحديد أولويات برامج الفحص والكشف المبكّر وتنظيمها واتاحتها لجميع الناس.
amman992001@gmail.com

مواضيع قد تهمك