محمود الخطاطبة
عندما كنا أطفالا صغارا، نتابع مباريات كرة القدم، كان يتراود إلى أذهاننا سؤال فحواه: لماذا يقوم مدرب الفريق بإشراك لاعب كبير بالسن في المباراة؟، وعندما كبرنا وبدأنا نستمع أكثر للتحليلات والنقاد، عرفنا سبب ذلك، والذي يتمحور حول ضرورة وجود لاعب ذي خبرة في الملعب، إذ يستطيع من خلال لمسة أو تمريرة أن يحسم المباراة، وبالتالي باستطاعته تعديل أو قلب النتيجة!.
ما يحدث في مباراة كرة القدم، وداخل الملعب، يحدث مثله تماما في مفاصل الدولة المختلفة، أكانت سياسية أم اقتصادية أم إدارية أم اجتماعية أم ثقافية، حيث من المفروض والأسلم دائما وجود أشخاص ذوي كفاءة وخبرة داخل وبين أفراد الطاقم الحكومي وفي كل المجالات، خصوصا في ظل ما تعانية الدولة من نقص واضح في قيادات الصف الأول وحتى الثاني، ممن يتمتعون بخبرة وكفاءة، تؤهلهم لسد النقص الظاهر للعيان.
عملية ضخ دماء جديدة وشابة في القطاعات كلها، ومختلف مفاصل الدولة، أمر حسن ومطلوب، خاصة في دولة كالأردن، ثلثا أفرادها من الشباب، وهم يمتلكون طاقات هائلة، ومبادرات تستطيع أن تحدث أمورا إيجابية كثيرة، على صعيد البلد ككل.
لكن هذه الفئة من الشباب بحاجة إلى قادة حقيقيين، مارسوا العمل على أرض الواقع، يكون على رأس أولوياتهم واهتماماتهم القيام بدور القيادة، وحسم الأمور أو القضايا، أيا كانت، خاصة المفصلية منها، بالإضافة إلى أنه يقع على عاتق أولئك، الذين نستطيع أن نطلق عليهم «مايسترو»، دور مهم جدا، يتمثل بإعادة تأهيل الشباب، الذين يتبوأون مناصب قيادية، أو لنقل يشغلون مراكز صنع القرار.
ليس تنقيصا من دور فئة الشباب تلك، أو التقليل من أهميتهم وقدراتهم وكفاءتهم، بقدر ما هم بحاجة إلى من يدلهم على الطريق الأصوب، والأقل أضرارا، أو يعبد لهم هذا الطريق، خصوصا عند وقوع أزمة أو قضية مفصلية، تؤثر سلبا على المجتمع.
وهنا يأتي دور «المايسترو»، وهم رجالات الدولة، أصحاب الخبرة والكفاءة، ممن تبوأوا في السابق مناصب قيادية، يشار لهم بالبنان، ويتمتعون بصفات، أولها وأهمها، الإخلاص للوطن والانتماء إليه، بعيدا عن أي حسابات أخرى.. فهؤلاء قادرون، بما اكتسبوه من خبرة، على معالجة الأزمات والقضايا، ووضع حلول من شأنها تقليل الخسائر قدر الإمكان، لا بل إنهم قادرون على تجاوز الأزمة قبل حدوثها، جراء العمل لأعوام عديدة قضوها في العمل العام.
وعندما يقول البعض إن أولئك قد بلغوا من العمر عتيا، فإن الرد عليهم بأن ذلك قد يكون صحيحا، خصوصا أن بعضهم يعاني من وعكات صحية، لكن يبقى الوطن بحاجة إلى خبراتهم، كما أن البعض منهم ما يزال يتمتع بكامل صحته وقوته الجسدية.
ثم أن المطلوب منهم، ليس خوض نضال أو بذل جهد بدني خارق أو فوق الطاقة، فكل ما يطلب منهم، هو حصيلة خبراتهم خلال الأعوام الماضية، ووضعها في قالب جديد، يتبناه الجيل الجديد أو الشاب، بمعنى أدق.. كما أن المطلوب هو وضع تلك الخبرات أمام مراكز الدراسات والأبحاث، ومن ثم تجويدها بطريقة تواكب التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم أجمع.
ومن جهة ثانية، ما هو المانع من دعوة أولئك لإلقاء محاضرات، وضرورة مشاركتهم في ورش عمل وندوات، تخصص لأولئك غير المسلحين بالخبرة الكافية، ويشغلون مناصب قيادية في الوقت الحالي؟.. ولنا في أمين عام جامعة الدول العربية السابق، وزير خارجية مصر السابق، عمرو موسى، خير مثال على ذلك، يحتذى به، إذ كان يقوم بإعطاء الوفد الفلسطيني المشارك في مؤتمر مدريد للسلام، في تسعينيات القرن الماضي، محاضرات حول كيفية التفاوض.
(الغد)