شريط الأخبار

عمّان ــ دمشق .. الطريق الوعر

عمّان ــ دمشق .. الطريق الوعر
كرمالكم :  
د. محمد أبو رمان
بدت الاختلافات واضحةً في الخطابين اللذين استخدمهما وزيرا الخارجية، الأردني أيمن الصفدي، والسوري فيصل المقداد، في مؤتمرهما الصحافي في زيارة الصفدي دمشق بداية شهر يوليو/ تموز الحالي، إذ سعى الصفدي إلى التأكيد على نقاط رئيسية، تمثّل الأجندة الأردنية تجاه سورية، فيما تجنّب المقداد التعليق عليها، مع الحرص على التأكيد على الرواية السورية، بخاصة تجاه اللاجئين السوريين في الأردن، وفي ما يتعلّق بالمسألة السورية.
أجندة الأردن تجاه سورية، كما قدّمها الصفدي، واضحة: التمسّك باستراتيجية الخطوة بخطوة، في التعامل مع النظام السوري، والدفع نحو حلول سياسية توافقية داخلية تؤدّي إلى تحسين الأوضاع السياسية، بما يسمح بعودة نسبة كبيرة من اللاجئين والتخفيف من الموقف الدولي تجاه دمشق، والتأكيد على الموقف الأردني بضرورة وقف تجارة المخدّرات عبر الحدود الأردنية - السورية، وإلا فإنّ الأردن سيستخدم حق الدفاع عن النفس، بالطرق المختلفة، ومنها العسكرية، كما حدث عندما وجّه ضرباتٍ عسكريةًً جويةً داخل الحدود السورية لمصنع لتجارة المخدّرات (لم تعلن عمّان مسؤوليتها عن الحادثة).
يرى السوريون أنّ الصفدي يريد إعادة عقارب الساعة إلى وراء، وكأنّ الرئيس الأسد لم يُدع إلى القمّة العربية في جدّة ولم يتم تطبيع العلاقات السعودية الإماراتية مع سورية، لذلك يريدون تجاوز الاستراتيجية (التي يتمسّك بها الصفدي) بربط الحل السياسي بتطبيع العلاقات ويرون أنّ الأمور بعد اتفاق طهران - الرياض تغيّرت. وبالتالي، فإنّ المطالب الأردنية تعرقل عملية التطبيع المنشودة لديهم مع الدول العربية، بخاصة الإمارات والسعودية، فيما مصر لم تأخذ، منذ بدء مرحلة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أي موقف سلبي حاد من النظام السوري.
في مقابل المواقف العربية التي باتت تميل إلى التطبيع مع النظام السوري، لا تزال المواقف الدولية ترفض التعامل معه، وقد دخل قانون الكبتاغون حيّز التطبيق ليتكامل مع قانون قيصر في تشديد العقوبات على النظام السوري، وتضييق الخناق على تجارة المخدّرات التي أصبحت، وفق تقارير أممية ودولية، من أكبر مناطق تجارة المخدّرات في العالم، وتقف وراءها شبكة إقليمية، وتحظى بدعم أطراف فاعلة من النظام السوري، وتوفر للأخير مئات الملايين من العملة الصعبة سنوياً.
بالنسبة للأردن، أكثر مسألتين ملحتين اليوم هما اللاجئون والمخدّرات. على صعيد الأولى، هنالك ما يقارب 200 ألف طفل سوري ولدوا في الأردن للاجئين سوريين منذ اندلاع الأزمة السورية. وهذا يعني أنّ المشكلة تتجذّر بالنسبة للأردن مع محدودية الموارد المالية والطبيعية وتخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاههم، ما يعني أنّ العدد مرشّح للازدياد والمتطلّبات الخدماتية كذلك، وسوف (إن لم يكن حدث ذلك فعلاً) سيتحولون إلى واقع سكاني جديد على الأردن أن يتعامل معه.
كان الصفدي قد طرح في لقائه السابق (قبل خمسة شهور) في دمشق مع الرئيس بشار الأسد هذا الموضوع، ودعا إلى استراتيجية متكاملة بين الأردن وسورية لما أطلق عليه عودة طوعية لهم، لكن الصفدي يدرك تماماً انّ هنالك شروطاً مسبقة قوية متطلبة لإقناع، ولو نسبة منهم، بالعودة، وهي الأمور التي لم تتحقق، وهنالك تفاصيل مهمّة، مثل البنية التحتية والضمانات الأمنية وموضوع خدمة العلم والمليشيات الطائفية، وجميعها مسائل ليس من السهولة بمكان حلّها.
وبالنسبة للمخدرات، تزداد الأمور سوءاً مع مرور الوقت، وقد أصبحت وسائل التهريب أكثر خطورة، إذ دخلت طائرات الدرونز على خط العمليات، وليس متوقّعاً أن تكون هنالك استجابة من النظام السوري، طالما أن هنالك معلومات أكيدة بتورّط قادة في النظام مع أطراف عراقية ولبنانية في العمليات، وطالما أنّ هذه الشبكة توفّر دخلاً كبيراً أمام العقوبات الدولية التي أرهقت النظام. وبالتالي، تصبح المسألة أكثر تعقيداً، وربما هذا يفسّر ابتكار خطّة الخطوة بخطوة، بمعنى قيام النظام السوري بخطوات تقابَل بخطوات من المجتمع الدولي. وفي المقابل، تأخذ متطلبات المجتمع الدولي طابعاً سياسياً وهو أمر يعقّد المسائل بالنسبة للاستراتيجية الأردنية.
في الخلاصة، لا يزال ظلّ المأساة السورية ثقيلاً على الأردن، وإن كانت التحدّيات ومصادر التهديد اليوم قد تغيّرت. ويبدو أنّ على الأردن أن يفكّر بخيارات وسيناريوهات عديدة للتعامل مع التداعيات الجديدة.
"العربي الجديد"

مواضيع قد تهمك