شريط الأخبار

قطبان يقودان الحرب والسلام

قطبان يقودان الحرب والسلام
كرمالكم :  
د.حسام العتوم
في التاريخ المعاصر كان الاتحاد السوفيتي حاضرا بين عامي 1922 و 1991 ، و بني طوعا وإنفك طوعا ، و شكل قطبا شرقيا عملاقا ، و تمكن من التصدي للحرب الباردة و سباق التسلح خاصة بعد تشكل القطب الغربي بحكم إنتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح السوفييت إبان تصديهم للغزو النازي الهتلري 1941 / 1945 ، و بصعود نجم القطب الأوحد الغربي تصاعدت الحرب الباردة و معها سباق التسلح ، و استمر الحال حتى عام 2022 عندما أعلنت روسيا الإتحادية تحريك عمليتها العسكرية الخاصة التحريرية الإستباقية الدفاعية للتصدي لمؤامرة التيار البنديري الأوكراني و نظام " كييف " السياسي المتطرفان ، و بوجود فلاديمير زيلينسكي رئيسا لأوكرانيا ، وهو الذي تعاون مع الغرب الأمريكي و دفع ببلاده أوكرانيا لرفض الحوار مع موسكو ، و لتدمير إتفاقية " مينسك " التي كان من الممكن أن تضفي إلى سلام و أمن دائمين لأوكرانيا و للعلاقات الأوكرانية – الروسية ، و بين روسيا ومع الغرب ، و تحديدا مع أمريكا ، و هو الأمر الذي دفع بروسيا الإتحادية لضم إقليم " القرم " ردا على الثورات الأوكرانية البرتقالية المبكرة في عهد الرئيس الأوكراني الأسبق ليونيد كوجما عام 2007 ، وعلى إنقلاب " كييف " الدموي غير الشرعي الذي إستهدف ليس إصلاح المسار السياسي و الإقتصادي الأوكراني ، و إنما إجتثاث روسيا من وسط الأراضي الأوكرانية و على كافة المستويات الأجتماعية ، و السياسية ،و الدينية ، و الأقتصادية ،و اللغوية عبر التخلص من آخر رئيس أوكراني موالٍ لروسيا مثل فيكتور يونوكوفيج و الذي كان بإمكانه المحافظة على حكمه بطلب النجدة من موسكو وقتها عام 2014 ، و بدأت روسيا بعد تحريك صناديق الإقتراع في ( القرم و الدونباس ) بالتوجه بشكل ملاحظ صوب تشكيل عالم متعدد الأقطاب قادر على التصدي لأوحادية القطب ، مشكلة ميزانا دوليا و منصة للمعارضة الدولية ، و داعية ذات الوقت للتمسك بالقانون الدولي عبر مؤسساته الكبرى ( الأمم المتحدة ، و مجلس الأمن ، و المحكمة الدولية ، و حقوق الإنسان ) .
ولقد نجحت أمريكا بقذف سنارتها وسط وحل نظام "كييف " السياسي و التيار البنديري المتطرفان ، بعدما إلتقطت إشارة عدائهما لروسيا الإتحادية ، و زودت غرب أوكرانيا بمراكز بيولوجية قادرة على نشر فايروس "كورونا " وسط التجمع السلافي و السوفيتي السابق ، و ساعدتها بإنتاج قنبلة نووية و أخرى قذرة ، و بالتطاول على جسر القرم و خط الغاز " نورد ستريم 2 ، و باستهداف الصحفيين الروس ، و غررت ليس ( بكييف ) فقط و إنما بكامل دول الغرب و شمال الغرب ، و دفعت بهم لخوض حرب مشتركة تقليدية بالوكالة مع روسيا من خلال " كييف " ، و اشتركوا معا على إستهداف روسيا بواسطة تزويد " كييف " بالسلاح و المال و بحجم تجاوز ال 200 مليار دولار ، وهو ما جعل الإستنزاف ليس لروسيا و إنما للغرب نفسه ، و هاهو زيلينسكي في الأمم المتحدة يطالب بمزيد من الدعم المالي الملياري ، معطيا صورة و إنطباعا غريبا و كأن الغرب يعمل نادلا في حضرة بلاطه ، و الأدهى من ذلك عندما نجده يطالب بطرد روسيا من مجلس الأمن ، متناسيا بأن روسيا هي من أنتجت الأمم المتحدة إلى جانب أمريكا و بريطانيا عام 1945 عندما لم يكن نظام أوكرانيا موجودا أصلا، و لا حتى زيلينسكي نفسه كان على قيد الحياة .
و لم تكن أمريكا بريئة يوما ، و في موضوع الحرب الأوكرانية و ضعت أمام أعينها هدف تضييق الخناق على روسيا عبر الحرب و العقوبات الأقتصادية ، و الحرب النفسية بدلا عن البحث عن السلام ، والإدعاء بإختراق روسيا للقانون الدولي ، وعملت على إخراج روسيا من مؤسسة حقوق الأنسان ، و هو الهدف الذي سعت إليه أمريكا من بين أهدافها السوداء المتعددة، بينما هي روسيا تحركت عسكريا تجاه (الدونباس ) بعد إرتكازها على مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 ، التي خولتها بالدفاع عن سيادتها في زمن إدعاء الغرب بتطاول روسيا على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها المصانة في القانون الدولي منذ عام 1991 دون الأخذ بعين الإعتبار للأحقية التاريخية لروسيا وسط الأراضي الأوكرانية ، و بصانديق إقتراع ( القرم و الدونباس ) و بالنسبة المئوية الأوكرانية المؤيدة لروسيا في العاصمة " كييف " و ما حولها ، و المعروف هو بأن " كييف " العاصمة تسمى تاريخا " بكييفسكايا روس ، أي كييف الروسية ، و بأن محافظة " كييف " على سيادتها لا يأتي عبر تقديم أوكرانيا هدية لحلف " الناتو " المعادي لروسي ، و عبر تهديد أمن روسيا جارة التاريخ منذ العهدين القيصري و السوفيتي ، ولا حتى عبر رفض الحوار مع موسكو .
لقد أصبح واضحا بأن القطب الأوحد الأمريكي الذي يعتبر نفسه بأنه لازال عاملا و حاضرا و مؤثرا على أقطاب العالم خاصة النامية منها ، بأنه حاسد لروسيا لدرجة الحقد الشخصي ، و لا يريد لقطبها الذي يقود مسار أقطاب العالم المتعددة منذ إنهيار الأتحاد السوفيتي و مع بدء العملية الروسية العسكرية الخاصة أن ينهض أكثر إقتصاديا و عسكريا على المستووين التقليدي و النووي ، وهي ، أي روسيا ناهضة بالفعل ، و تحقق نجاحات كبيرة في تطوير ترسانتها العسكرية كل عشر سنوات ، و تحلق في الفضاء ، و تعتمد على ذاتها إقتصاديا و على مستوى الإنتاج المحلي ، و تتمتع بصداقات واسعة مع دول شرق و جنوب العالم ، و لم تنجح أمريكا بالذات من محاصرتها و عزلها عالميا كما خططت ، و المؤتمر الروسي – الأفريقي في مدينة سانت بيتر بورغ مؤخرا شاهد عيان، و يصعب المراهنة حاليا على أن تشكل الإنتخابات الروسية و الأمريكية المقبلة عام 2024 منصة لإنهاء حرب كان من الممكن لها أن لا تبدأ ، ولقد غابت المؤسسات القانونية الكبيرة الدولية عن أخذ دورها الحقيقي حتى الساعة في وضع حد للحرب المأساة التي ذهب ضحيتها حتى الان أعدادا كبيرة من القتلى من الجهتين ، خاصة من الجانب الأوكراني ، و بنسبة مئوية شكلت ( 1 إلى 8 ) ، تماما كما ذكر ذلك الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكا أثناء مقابلة إعلامية مع الإعلام الأوكراني نفسه .
لقد توجهت روسيا لمجلس الأمن مؤخرا بخصوص تزويد الغرب للعاصمة الأوكرانية " كييف " بالسلاح " الحديث و بشكل مستمر ، وهو حق مشروع لها ، و من حقها أيضا تدمير السلاح القادم تجاهها عبر الأراضي الأوكرانية ، وكان بإمكان أمريكا قائدة " الناتو " و الغرب أن تذهب للسلام عبر الحوار المنتج بدلا من التوجه لتغذية الحرب الدائرة رحاها بالسلاح و المال الأسود غير المفيدين ، و في نهاية المطاف لم تتمكن أمريكا و معها الغرب من تحقيق نتائج على الأرض في ميدان المعركة و القتال سوى الهزيمة و خسران الحرب و السلام معا ، و الرئيس زيلينسكي يصرح مجددا من الأمم المتحدة بأنه إن لم يزود الغرب نظامه بمزيد من السلاح و المال فإنه سيخسر الحرب الدائرة، و التي تعتبرها روسيا عملية عسكرية تحريرية فقط و محدودة تجري الان على أطراف " الدونباس " ، وهل لم يعرف زيلينسكي بعد بأنه و الغرب بأنه يستحال تحقيق نصر على روسيا العظمى صاحبة التاريخ العملاق المشهود له بالإنتصارات التاريخية على حملة نابليون بونابارت عام 1812 ، و على غزوة أودلف هتلر 1941 ، و هي القطب الوحيد على خارطة العالم القادرة حتى الساعة على مواجهة أية حرب نووية مباشرة مع الغرب ، والإنتصار فيها حتى ، و القناة الوحيدة الضابطة لأمن العالم الان هي الخط الساخن بين كل من روسيا الاتحادية و حلف ( الناتو) ، و الصين مستهدفة أمريكيا أيضا كما كل الدول الناهضة و حتى النامية؟! .
و المعروف حاليا هو بأن روسيا حققت إنتصارا عسكريا في حربها الدفاعية التحريرية ، و حررت إقليمي ( القرم و الدونباس ) ، و حسب عقيدتها السياسية و العسكرية ، فإنها لن تتراجع عن ما حررته ، و هي ماضية في عمليتها العسرية لإجتثاث التطرف البنديري ومنه السلطوي في " كييف " ، و يصعب رؤية أمل صوب السلام بوجود النظام الأوكراني السياسي و العسكري الحالي ، و تطبيق هدنة وسط الحرب و العودة لصناديق الأقتراع في " كييف " من المخارج الممكن طرحها للوصول لسلام عادل تقبل به روسيا و دولة " كييف " ، و لقد قالت أقاليم ( القرم و الدونباس ) كلمتهم الجريئة عبر صناديق الإقتراع ، و توجهو لإعادة البناء ، و لقد وصف وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف الغرب في الأمم المتحدة بإمبراطورية الكذب، و شكك بإمكانية تنفيذ إتفاقية الحبوب بشروط غربية غير واقعية لن تكون قادرة على إنصاف العالم الفقير، و شخصيا أرى في السلام الروسي – الأوكراني ، ومع الغرب و أمريكا لو تحقق مخرجا حقيقيا لإنهاء الحرب و للذهاب للسلام و التنمية الشاملة لما فيه كل الخير لبشرية جمعاء .

مواضيع قد تهمك