شريط الأخبار

حلبات الكولوسيوم الجديدة

حلبات الكولوسيوم الجديدة
كرمالكم :  

د. نضال القطامين

بينما تملأ الهتافات، في ميادين الشوارع العربية، الفضاء المعبأ بالموت وبالقنابل، بينما تشتعل غزة بالفسفور الأبيض، وترجف عينها الحزينة للبوارج التي تعلن حربا غير منطقية ولا معقولة عليها، بينما فاق ما يُفعل بغزة ما فعله المغول ببغداد، واقترفت الأيادي الآثمة وتقترف، جرائم حرب غير إنسانية، حيث أصبحت المشافي والعيادات ودور العبادة حتى الشوارع أهدافا مشروعة تصمت عن قصفها وتدميرها أوروبا التي تبكي ليل نهار على المدنيين البيض في أوكرانيا، بينما ذلك كله، يواظب الأردن على إنجاد غزة وعلى عونها، وهو القابض على جمر العروبة والدين وعلى ملفات الإقتصاد والسياسة وتنمية مجتمعه.
لم يضع الأردن، الرسمي ولا الشعبي، ملف القضية الفلسطينية على الرف يوما. لقد كانت حاضرة في كل الظروف في خطابات جلالة الملك وفي زياراته كلها.
حتى في ذاك الوقت الذي ألقى العالم كله بقضاياه الملتبسة وراء ظهرة وتفرغ لقتال الوباء، وتشاغلت دول العرب وانشغلت بثوراتها وأزماتها، كانت فلسطين في عين الدولة الأردنية، لم تغب ولم تهمل، واسترسل في مدى الدولة العروبي القومي، دعمها للمرابطين في فلسطين، الضفة والقطاع.
يقول التاريخ وتقول الجغرافيا، أن الأردن هو الأكثر قلقا من الحرب الدائرة في غزة. إنه قلقٌ على دماء المدنيين الأبرياء، وقلقٌ على مآلات هذه الحرب، حيث لم يعد بوسعه استقبال مزيد من اللاجئين، ومنشغلٌ على قواعد عملية السلام التي عمل طويلا كي يضعها وهو يراها مهددة للنسف بالكامل، وقلقٌ من هذا التداعي الأممي على قطاع محاصر دون ان يرفّ لعين أحد قسطا من رحمة، لكن قلقه هذا لم يُثنه عن الإلتفات للقضية المركزية في المحافل الدولية دعماً وصوتاً بالحق مرتفع، وللأهل والأشقاء مساعدات ورعاية طبية، حيث بلغ عدد البعثات الطبية التي تعاقبت على المستشفى الميداني في غزة نحو أربعة وسبعين، فيما يأمر جلالة الملك بتثبيت وإبقاء هذا المستشفى في غزة ويوجّه بالإستمرار في عمله ليكمل مسيرته الخدماتية وإسناده للمنظومة الصحية في علاج الجرحى والمرضى رغم موقعه الخطير.
الأردن، مثل كل العرب والمسلمين، قلق على غزة، ويجأر بصوته العالي لفتح ممرات إنسانية لغوث الناس، ويدعم وكالة الغوث في منتصف حقول القنابل التي تزرعها رؤوس الشر هناك، ويرسل طائرات الإغاثة، لكنه مثل أي وطن مبتلى باقتصاد ضعيف وبموقع جيوسياسي مضطرب، لا يملك سوى المواظبة على لفت انتباه العالم للغبن الذي وسم العالم به العرب والمسلمين، العبن الذي يتجسد في ازدواجية المعايير فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ولسان حاله وحال كل الغلابى المنتظرين سكين الجزّار، يعيده سؤال وزير خارجيتنا النابه كل يوم، لماذا يعتبر العالم الموغل في المدنية وفي حقوق الإنسان، منع الغذاء والدواء عن المدنيين في أوكرانيا جريمة حرب، ولكنه ليس كذلك في غزة؟
يقلق الأردن، مثلما تقلق كل الشعوب المنحازة للحق، من إزدواجية المعايير الدولية تجاه حقوق الإنسان، لكنه غاضب أكثر على السادة المتفرجين في المدرجات، على حلبات الصراع (الكولوسيوم)، تلك التي يستمتع فيها الجمهور وهو يرى أبناء جلدته يصارعون الأسود والنمور..

مواضيع قد تهمك