عبد المنعم عاكف الزعبي
دأبت وزارة المالية منذ العام 2019 على الترويج للموازنات المتعاقبة على أنها خالية من الضرائب الجديدة. وقد أصبح ذلك جزءا رئيسيا من الخطوط العريضة لتسويق الموازنة عاما بعد عام.
لا أحد ينكر على الحكومة حقها باستخدام التوقف عن فرض ضرائب جديدة كأداة لتسويق خطتها المالية السنوية، خصوصا بعد سنوات متواصلة من رفع الضرائب على الدخل والمبيعات ما بين الأعوام 2008 إلى 2018.
ولكن المشكلة تكمن بما بات يتم الإيحاء به مؤخرا من أن عدم فرض ضرائب جديدة يعود لتوسيع قاعدة التحصيل ومكافحة التهرب الضريبي. وأن هذه الإجراءات مكنت الخزينة من تحقيق عوائد كبيرة دون الحاجة لاستخدام أسلوب الحكومات السابقة بفرض المزيد من الضرائب.
هذا الخطاب الإعلامي يخرج الأمور من السياق الواقعي لها كما تثبت الأرقام الرسمية.
فالارتفاع الذي شهدته عائدات ضريبة الدخل خلال السنوات الماضية كبير فعلا، ويستحق الإشادة. ولكن السبب الحقيقي وراءه ليس اتساع التحصيل ومحاربة التهرب، إنما تطبيق قانون الضريبة الجديد المقر عام 2018 والارتفاع الكبير في أرباح شركات التعدين الوطنية إثر ارتفاع أسعار البوتاس والفوسفات عالميا.
فعند الحديث عن أن عائدات ضريبة الدخل ارتفعت بحوالي 500 مليون دينار ما بين الأعوام 2019 و2022، يجب أن نتذكر بأن ضرائب شركتي البوتاس والفوسفات ارتفعت بأكثر من 300 مليون دينار خلال ذات الفترة، وأن حساب المساهمة الوطنية الذي فرضه قانون ضريبة الدخل 2018 قد حقق عوائد جديدة من البنوك والشركات الكبرى بقيمة 125 مليون دينار، وأن الضرائب على دخول الموظفين ارتفعت بحوالي 80 مليون دينار أيضا نتيجة لتطبيق قانون ضريية الدخل لعام 2018.
وإذا أضفنا لذلك أن قانون عام 2018 ألغى إعفاء الصادرات من ضريبة الدخل، ونظم مزايا المناطق التنموية، ورفع الضريبة على القطاع الصناعي من 14% إلى 20%، فإننا أمام معطيات تؤكد أن كل ما نشهده حاليا من ارتفاع في إيرادات الضريبة هو بسبب إقرار وتطبيق قانون ضريبة الدخل لعام 2018، أو بسبب ارتفاع أرباح الفوسفات والبوتاس.
وباستثناء هذين العاملين نكون أمام ثبات أو حتى تراجع في إيرادات ضريبة الدخل بالأرقام المطلقة ونسبة للناتج المحلي الإجمالي، وبمعنى أننا لم نحقق إيرادات ضريبية جديدة نتيجة تفعيل التحصيل كما بات يجري الترويج له مؤخرا.
السؤال هنا يدور حول سبب عدم تسمية الأمور بمسمياتها. ولماذا لا يكون خطاب وزارة المالية واضحا بتأكيد استمرار الحكومة بالتزامها بعدم فرض ضرائب جديدة في ظل انتهاء برنامج الإصلاحات الضريبية عام 2018، وتحقيق النتائج المالية المنشودة من هذه الإصلاحات.
لماذا لا نظهر للرأي العام بأن الإصلاحات الصعبة بدأت تؤتي ثمارها؟ وكيف نقنع الرأي العام بتمرير قرارات صعبة مستقبلا عندما نستمر بتقليص أهمية ومساهمة القرارات المشابهة التي تم إقرارها سابقا؟ ولماذا لا يتم إبراز نتائج مكافحة التهرب وتوسيع قاعدة المكلفين بشكل منفصل حتى لو لم تكن بمئات ملايين الدنانير بهدف دعمها وتشجيعها؟
ليس الهدف من هذا الحديث التقليل من إنجاز وزارة المالية ودائرة ضريبة الدخل في عهد الوزير والمدير الحالي. لا بل إن هناك شعورا عاما بالرضا عن أداء وإدارة دوائر وزارة المالية المختلفة خلال السنوات الأربعة الماضية.
كل ما نسعى إليه هو الابتعاد عن المبالغة الإعلامية، خصوصا وأننا جميعا نعلم بأن تحدياتنا المالية والاقتصادية ليست بسيطة. الحديث مهم عن الإنجاز، وأيضا عن التحديات، دون المبالغة بالاتجاهين.