في 15 يوليو/تموز الجاري، اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة بنقص في الدبابات التي يحتاجها بعد عطب العديد منها بسبب الحرب في قطاع غزة. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية هذا الاعتراف من رد الجيش أمام المحكمة العليا الإسرائيلية في سياق قرار رئيس الأركان الإسرائيلي تأجيل دمج الضابطات في تشكيل المدرعات حتى نهاية 2025 بسبب النقص الكبير في الذخيرة والدبابات.
يأتي هذا الخبر البالغ الأهمية في سياق أشارت فيه الصحيفة إلى عدم كفاءة الكثير من الدبابات الإسرائيلية، فقد عطلتها ضربات المقاومة في قطاع غزة، بحيث لا يمكن استخدامها حتى للتدريب، كما لا يُتوقع أن تتم إضافة دبابات جديدة إلى سلاح المدرعات في أي وقت قريب.
يحدث كل ذلك في وقت تتزايد فيه الأحاديث الإسرائيلية عن أن الجيش قد بات "قريبا جدا" من الإعلان عن انتهاء عملياته العسكرية في رفح وسحب قواته والانتقال إلى ما يطلق عليها "المرحلة الثالثة" من الحرب. وفي هذه المرحلة تترك القوات الإسرائيلية نمط القتال المستمر على جميع الجبهات، وتنفذ من حين إلى آخر ضربات خاطفة على مواقع بعينها بحسب الحاجة العسكرية لذلك.
لكن هل يعد ذلك انتصارا؟ وكيف يمكن أن تعلن تل أبيب انتصارا في وقت تستمر فيه عمليات فصائل المقاومة، بل تبدو في بعض الأحيان في كامل لياقتها، إلى حد أن عملياتها قد تزيد كمًا ونوعا طبقا لحاجة الميدان، كما لا تزال قادرة على استهداف جنود الجيش الإسرائيلي بالكمائن والقنص وغيرهما من التكتيكات؟
تستغل القوة غير النظامية حجمها الأصغر وقدرة مقاتليها على الحركة ومعرفتهم بالتضاريس للحفاظ على صراع طويل الأمد يضعف عزيمة الجيش التقليدي (مواقع التواصل)
كانت المشكلة الرئيسية التي تقض مضاجع جنرالات الحرب الإسرائيليين خلال 9 شهور هي كيفية إعلان نهاية الحرب بالانتصار، أو بشيء أشبه بالانتصار يمكن لوسائل الإعلام العالمية تناقله من دون أن تنسحق صورة إسرائيل، خاصة في ظل ما يعرفه الجميع بأنه لا يوجد انتصار في هذه النوعية من الحروب، أو كما قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر ذات مرة عام 1969 "يخسر الجيش التقليدي إذا لم ينتصر، ويفوز رجل حرب العصابات إذا لم يخسر".
ويعني كيسنجر بقوله هذا أن المصالح الخاصة بكل طرف في هذا النوع من الحروب التي تستخدم فيها عمليات وتكتيكات غير نظامية تختلف بشكل جذري، فهدف القوات غير النظامية هو البقاء والاستمرار في المعركة، ومن خلال الاستمرار في القتال وتجنب الهزيمة الحاسمة والحفاظ على القدرة على الضرب يمكنها تحقيق أهدافها.
وفي هذا السياق، تستغل القوة غير النظامية حجمها الأصغر وقدرة مقاتليها على الحركة ومعرفتهم بالتضاريس للحفاظ على صراع طويل الأمد يضعف عزيمة الجيش التقليدي ويمتص قدراته التقنية ويستهلكها إلى أقصى حد، وفي النهاية يقوض دعمه السياسي.
أما بالنسبة للجيوش التقليدية فإنها مكلفة عادة بتحقيق نصر واضح وحاسم، وغالبا ما يتعرض قادتها لضغوط هائلة لإظهار نتائج ملموسة، مثل هزيمة القوات التي تواجهها في المعركة أو تأمين الأراضي أو إعادة الأسرى، ومن الممكن أن يُنظر إلى الفشل في تحقيق هذه الأهداف في الوقت المناسب على أنه خسارة عسكرية وسياسية. ومع إطالة أمد الوضع السياسي المأزوم ستُجبَر هذه الجيوش على الانسحاب دون تحقيق النصر الحاسم.
يمكن لهذا النموذج أن يتحقق في الحرب الدائرة الحالية على غزة، فلو تأملنا الأهداف الإسرائيلية المعلنة مسبقا، وهي القضاء على حماس وتخليص الأسرى والسيطرة على غزة، لوجدنا أن جميعها لم يقترب بعد من التحقق، بل إن الاحتلال أعاد أكثر من مرة صياغة أهدافه داخل غزة لتتناسب مع الصعوبات التي واجهها نتيجة استبسال المقاومة في صد الاجتياح البري.
الجزيرة- شادي عبد الحافظ