شريط الأخبار

قراءة وملاحظات أولية للانتخابات النيابية

قراءة وملاحظات أولية للانتخابات النيابية
كرمالكم :  

د.زهير أبو فارس

بإعلان الهيئة المستقلة للانتخاب عن النتائج النهائية للانتخابات النيابية للمجلس العشرين ، يكون بلدنا قد دخل إلى مرحلة جديدة من حياته السياسية، من الصعب الجزم في مالات مشهدها السياسي، وتفاعلاته، وطبيعة اصطفافات عناصره الفاعلة.

وهنا يمكن طرح بعض الملاحظات ذات العلاقة بالحدث، ومنها :

أولا: لقد رسخت هذه الانتخابات المشروع الوطني الأردني للإصلاح والتحديث الشامل ، الذي انطلق بدعم ملكي واضح ، واستطاعت هيئة الانتخاب ان تضيف للعملية الانتخابية المزيد من المصداقية لهذا المشروع الذي لا رجعة عنه. وهي حالة بالغة الأهمية لبناء الثقة المطلوبة بين الشعب وقواه المجتمعية ومؤسسات الدولة، وأهمية ذلك في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية الحالية والمستقبلية.

ثانيا: ليس من الحكمة والعدل الحكم على أداء الأحزاب السياسية (غير جبهة العمل الاسلامي) من خلال نتائج ما حققته في هذه الانتخابات، دون الأخذ بالاعتبار ظروف تشكيلها وبناء هياكلها التنظيمية، وانتقالها المباشر لخوض معركة الانتخابات، لكن ذلك لا ينفي الأخطاء والسلبيات التي رافقت هذه التجربة ، وبخاصة ، عدم قدرة العديد منها على الوصول إلى الناس ، وبخاصة من هم "على الرصيف" والاشتباك الايجابي معهم، من خلال البرامج المقنعة، التي تلامس قضاياهم وتطلعاتهم ، ناهيك عن اخفاقها في تقديم شخوص جماهيرية معروفة ومجربة في الحياة السياسية والعامة ، خاصة في هذه المرحلة التي تسبق المرحلة البرامجية القادمة.

ثالثا: ربما يعود فشل العديد من الأحزاب القديمة والحديثة المتقاربة في رؤاها السياسية والفكرية والاجتماعية في الوصول إلى البرلمان، مرده إلى تشتتها، وعدم قدرتها على إيجاد ائتلافات واسعة تقود تيارات ذات برامج واضحة تستقطب المؤيدين لتوجهاتها ومواقفها من مجمل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهمها، مما أدى إلى اغترابها وتقوقعها حول ذاتها ، بعيدا عن جماهيرها وحواضنها الحقيقية ، التي تركت على الرصيف لوحدها، دونما موجه او جاذب لها.

رابعا: ان التقييم الصحيح لمدى قوة وجماهيرية الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية لا بد أن يتم من خلال قراءة النتائج التي تحصلت عليها على مستوى القائمة الوطنية العامة، ولا يمكن الحكم على هذه القوة بالاعتماد على نتائج القوائم المحلية التي اعتمدت على البعد العشائري او المناطقي للمرشحين، وليس على انتمائهم الحزبي، أما دور قيادات الأحزاب فلم يتعدى المنافسة في استقطاب قيادات محلية لها حضورها الراسخ في مناطقها وحواضنها الشعبية. إضافة إلى أن الارتباط بين نواب الدوائر المحلية والاحزاب تبقى فضفاضة، وغير عضوية تنظيميا، ومعرضة للانفكاك، مقارنة بنواب القوائم الحزبية العامة ، الذين لا يملكون حرية الخروج على رأي قياداتهم الحزبية ، والا فقدوا عضويتهم كممثلين لاحزابهم في مجلس النواب.

خامسا: وفيما يتعلق بحزب جبهة العمل الإسلامي، فقد كانت نتائج تمثيلهم في مجلس النواب العشرين مفاجئة لمعظم متابعي الشأن السياسي والانتخابي، ولربما للحزب نفسه. وهي نتائج تحسب ليس فقط لصالح الحزب، بل وأيضا، لصالح النظام السياسي ، من منظار صدقية توجهاته في تنمية الحياة السياسية الحقيقية،في إطار مشروعه الوطني للإصلاح والتحديث الشامل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ، وكذا من زاوية تعزيز الثقة بالعملية الانتخابية، التي ادارتها الهيئة المستقلة للانتخاب بكل جدارة واقتدار ، مما يرسخ من مكانة صناديق الاقتراع كوسيلة فعالة ووحيدة للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وتداول السلطة ، وبالتالي ، الوصول إلى حالة الاستقرار السياسي والسلم المجتمعي. ويقينا أن ما تحصل عليه حزب جبهة العمل الاسلامي من نتائج معتبرة، في ظروف وفرتها الدولة الاردنية، بكافة مؤسساتها، بكل عدالة ونزاهة، تفرض عليه واجب الإلتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية ، في إطار التعددية السياسية ، واحترام طبيعة الخصوصية الأردنية ، بكافة مكوناتها الإجتماعية والفكرية، والظروف التي تعيشها الدولة الأردنية، بحكم علاقاتها و مصالحها الحيوية،وعدم تحميلها أكثر مما تحتمل ، بعيدا عن المغالبة والمكاسرة ، التي لن تكون في صالح احد. وكلنا امل ان يضع حكماء الحركة (وهم كثر) مصلحة الأردن العليا وسلمه المجتمعي في مقدمة أولوياتهم، خاصة وبلادنا تواجه التحديات الجسام على مختلف الصعد.

واخيرا، يمكن القول، بان الانتخابات النيابية الأخيرة ،تمثل نجاحا حقيقيا باهرا لبلدنا وشعبنا ونظامنا السياسي، الذي اختار بقناعة راسخة نهج التحديث والمشاركة الجماهيرية في اتخاذ القرار الذي يهم واقع ومستقبل شعبنا واجياله القادمة، وأن مشروعنا الوطني للإصلاح الشامل الذي أطلقه جلالة الملك، قد نجح في اختباره الأول ، وتبقى المسؤولية الوطنية ملقاة على عاتق شعبنا، بكافة مكوناته، وقواه السياسية، والاجتماعية، والفكرية، في رعاية هذا المشروع وحمله بأمانة للوصول به إلى محطته النهائية، وهي بناء الأردن القوي الانموذج..

مواضيع قد تهمك