علي سعادة
كثيرون يغرقون في حقول التفاهة والفتنة
والاستقطاب بناء على مقال أو تعليق أو بوست يكتبه صحافي أو كاتب أو مسؤول سابق
يبحث عن موقع له في الدولة، معتقدا بينه وبين نفسه بأنه بما يكتب يعيد تجديد سيرته
الذاتية.
يقلدون ويجاملون وأحيانا يعلقون بدافع
وطني وبغيرة وطنية يجدون أنفسهم دون أن يختاروا أو يخططوا وسط طوفان من الفوضى،
ووسط صراع المصالح.
كما نقول دائما، قريتنا صغيرة، والكل
يعرف بعضه البعض، وأمضينا في مهنة الصحافة والكتابة أكثر من 35 عاما، ونعرف من هو
الوطني الحقيقي الذي يتحدث بلغة ناقدة وغيورة وناصحة ومتزنة، ومن الذي يدعي
الوطنية ويركض وراء أية موجة عاتية تنقله إلى مستوى آخر من المكاسب الشخصية، فيحرض
ويثير الانقسام، مستغلًا العاطفة الوطنية الجياشة لدى الغالبية.
نعم الأردن وأمنه واستقراره ووحدة شعبه
وأراضيه خط أحمر، لكن لا يجوز أن نخلط بين هذا الخط الأحمر وبين حق الناس في
التعبير، وفي التعاطف مع ما يحدث في محيطنا الوطني وبشكل خاص في فلسطين قضية
الأردن الأولى لعدة أسباب على رأسها أنها جزء من أمننا الوطني، شئنا أم أبينا.
وينبغي أن نتفهم انفعال البعض
واندفاعهم وغضبهم لما يجري في قطاع غزة من جرائم فاقت التصور البشري، وتفوقت على
الشيطان نفسه، وان لا نحمل هذا الانفعال أكثر مما ينبغي فيكتب سيل جارف من
المقالات الإنشائية التي لا يوجد فيها مقال واحد يشخص الواقع ويساعد الدولة، فقط
مجرد صف كلام إنشائي سطحي.
العدو الأول والأخير للأردن هو المشروع
الصـهيوني.
أي مهتم لو بحث في منصات التواصل وعلى
منصات المستوطنين وعلى المنصات الصهيونية أو التي عرضت رسميا من قبل حكومة
نتنياهو، سيجد بأنهم وضعوا حلم "إسرائيل الكبرى" على أرض الواقع: سيناء
أصبحت لهم منذ مدة، ويخططون لانتزاع جنوب لبنان، ونصبوا شيك على أراض في سوريا،
والجولان بقبضتهم، والضفة بوجود سلطة عباس ساحة مستباحة لقطعان المستوطنين،
وغـــزة أعيد احتلالها، ولم يتبق سوى الأردن.
نحن أمام خيار واحد فقط أن نحافظ على
الأردن بعيدا عن الغوغائية والشعوبية والبحث عن المتابعين والمعجبين.
غالبية المقالات تشعرك بأن الأمور في الأردن "فالتة"، رغم أننا نعرف بأن الدولة الأردنية دول يقظة وذكية وواعية ومتزنة، تعرف تفاصيل ما يجري على الساحة، ولديها تصور كامل لأي جهة، وهي تعرف تماما كيف توجه أي حدث دخلي لصالحها ولصالح سياستها، ولا تحتاج من كتاب وصحافيين ونشطاء لو سألتهم عشر أسئلة عن تاريخ الأردن سيرسبون في الامتحان.
السبيل