شريط الأخبار

واقعية الأردن.. ومخاوفه

واقعية الأردن.. ومخاوفه
كرمالكم :  

مكرم أحمد الطراونة

وضع جديد وجد الأردن نفسه مضطرا إلى التعامل معه، تمثل في تغيير النظام السياسي عند الشقيقة سورية.

لا يخفي الأردن ارتياحه من أن تغيير النظام جاء من خلال الحد الأدنى من الصدام المسلح وسفك الدماء، فالجارة الشمالية أخذت نصيبها وأكثر من الدماء على مدار ثلاثة عشر عاما من عمر الثورة الشعبية التي أطلقتها في العام 2011، والتي مارس خلالها النظام المنتهي أبشع أنواع الجرائم في حق الشعب.

الأردن الذي يتعامل بواقعية مع الأحداث، يعتبر أن الاستقرار في الجارة الشقيقة مصلحة وطنية عليا، ولا يخفي، كذلك، تفاؤله في إمكانية أن يكون الوضع الجديد أفضل بالنسبة إليه في معايير استقرار وأمن الحدود المشتركة، خصوصا أن نظام بشار الأسد مارس كثيرا من الكذب والمراوغة والتضليل في تعهداته بضبط الحدود ومنع تهريب المخدرات والسلاح. لكن كل تلك التعهدات لم يكن لها نصيب من الحقيقة على أرض الواقع، بسبب كثير من الأطراف الفاعلة التي كانت متواجدة على الأرض السورية، والتي أثرت على سلطاته وصلاحياته.

اليوم، تأمل عمّان في أن يمارس النظام الجديد سلطاته كاملة، ويقفل بوابة الجحيم التي انفتحت على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي سيوفر على الأردن الكثير من الموارد التي يصرفها لمراقبة هذه الحدود الطويلة، كما سيجنبه، ودول المنطقة، ضياع أجيال عديدة نتيجة إغراق المنطقة بالمخدرات.

الوضع الحالي قد يكون أفضل، كما أسلفنا، لكن ذلك لا يمنع الأردن من رؤية التحديات والمخاوف التي لا يتمنى حدوثها، وأخطرها النزاع على السلطة بين شركاء اليوم في الجارة الشقيقة، والدخول في فوضى مشابهة لما حدث في ليبيا في أعقاب الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، وهي الفوضى التي ما تزال قائمة حتى اليوم. هذا السيناريو يمثل كابوسا، ليس للأردن، فحسب، بل لجميع دول المنطقة التي ستكتوي بناره.

السيناريو الثاني، يتمثل بحدوث مواجهة بين الحكم الجديد والمكون الكردي في الشمال الشرقي، ورغم أن جغرافيته بعيدة بعض الشيء عن الأردن، إلا أن آثاره ومخاطره مرشحة للتأثير علينا، خصوصا أن ذلك يعني عدم الاستقرار في سورية، وقد يفتح الباب لأطراف أخرى بــ"تحريك" تنظيم داعش الإرهابي الذي يراقب الأحداث بترقب كبير.

مشكلة هذا السيناريو، أيضا، هو أنه سيقود أطرافا أخرى إلى الانخراط في الصراع، إما بشكل مباشر، أو عن طريق تقوية الوكلاء وتسليحهم، فواشنطن لن تسمح بالمساس بالأكراد، وتقدم الاحتلال الصهيوني واستيلاؤه على أرض سورية لا يبدو بعيدا كثيرا عن هذا الهدف، وهو الأمر الذي لا يحقق مصلحة أنقرة العليا بوجود سلطة كردية مستقرة على حدودها، ما يقود إلى احتمالية تحرك من نوع ما.

هذا السيناريو، إن وقع، فهو محكوم عليه بالفشل في تغيير أي موازين قوى على الأرض، إلا أنه سيوفر أرضا خصبة لتصاعد العنف والتطرف، وصعود حركات إرهابية من جديد؛ قديمة وجديدة، تمارس قهرها على الأرض والشعوب، وسيكون العراق في مرمى تلك الممارسات من جديد، ليعود الأردن بين فكي الكماشة مجددا، ويدفعه إلى سياسات أمنية وعسكرية متشددة، يضطر معها إلى استنزاف موارده، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي سيخلفه مثل هذا السيناريو.

الأردن، كما أسلفنا، يتعامل بواقعية مع الأحداث، وكذلك مع السيناريوهات التي تطل برأسها وتهدد الاستقرار بأكمله في المنطقة، وكل ما يتمناه هو أن يستطيع الأشقاء السوريون لملمة جراحهم، والبدء ببناء دولتهم الحرة الديمقراطية التي حلموا بها طويلا، من دون أن يتحقق أي من تلك المخاوف.

الغد

مواضيع قد تهمك