شريط الأخبار

سوريا والحاجة لنظم تشاركية

سوريا والحاجة لنظم تشاركية
كرمالكم :  

د. مروان المعشر

ما هو الدرس الأكبر من انهيار النظام السوري؟ يشير البعض إلى التدخلات الخارجية، خاصة الإسرائيلية التي ما فتئت تحاول استغلال أي ظرف في المنطقة لصالحها. وبطبيعة الحال، لم تكن التدخلات الخارجية الإسرائيلية السافرة هي الوحيدة في سوريا، فالنظام السوري القديم ما كان له أن يصمد لولا التدخلات الخارجية من إيران وروسيا. ولكن في النهاية، فإن كل التدخلات الخارجية لم تنجح في انهيار النظام، حين لم يجد النظام من يدافع عنه داخليا.

لقد انهار النظام في النهاية من الداخل، بعد أن حكم بالقوة والظلم، وتسبب في مقتل أو نزوح الملايين من السوريين، هذا هو الدرس الأكبر، كل من يحكم بالسيف ويتجاهل رغبات شعبه لن يجد في النهاية من يدافع عنه، لا داخليا ولا من أكبر مناصريه الخارجيين. من لا يريد الفوضى، أو أي قوى متشددة أن تأتي للحكم، عليه الانتباه للداخل، وانتهاج سياسات تؤدي لرضا الناس. في النهاية، لم تستطع لا إيران ولا روسيا، إرغام الجيش السوري على الدفاع عن نظام لا يحترم شعبه، لعل هذا هو الدرس الأكبر الذي يجب استخلاصه.

لقد استخلص البعض النتيجة الخاطئة بأن الربيع العربي انتهى، وأن الخوف من الإسلاميين المتشددين كان وحده الكفيل برجوع الناس لبيوتهم، على الرغم من أن مشاكلهم المعيشية لم تحل. وفي حالة النظام السوري، لم يكتف بذلك، بل واصل سياسة بطش داخلي ضاربا عرض الحائط بكل المحاولات التي جرت عبر أكثر من عشرة أعوام ومن جهات عدة، لإقناعه بضرورة اعتماد سياسة داخلية تؤدي لإشراك كل القوى الداخلية السلمية في الحكم.

تجاهل النظام السوري السابق كل هذه الجهود، وأعتقد أنه يستطيع الاعتماد على إيران وروسيا فقط لاستدامته، من دون الحاجة لحد أدنى من الحوار والإصلاح الداخليين. لقد أثبتت تطورات الأسبوعين الماضيين عدم نجاعة هذه السياسة، بل أنها أثبتت أكثر من ذلك، لم ينته «الربيع العربي» لأن التحديات التي أدت إليه لم تتم معالجتها قبل عشر سنوات، ولا تتم معالجتها اليوم. يكمن التحدي اليوم في كيفية التأثير على مآلات «الربيع العربي»، كي يؤدي إلى حالة أساسها التنمية الاقتصادية والحوكمة الرشيدة، وصولا للتعددية والتشاركية السياسية والازدهار الاقتصادي.

في ما عدا ذلك، فسيكون للقوى المتشددة التي لا تؤمن بالتعددية الغلبة. من لا يريد الانعزالية واحتكار السلطة، عليه أن يدرك أن الطريق لذلك ليس التشبث بنظم سلطوية كالنظام السوري، لا تقيم وزنا لشعبها، بل تبطش به. يجب أن تتركز الجهود المستقبلية كافة الآن ليس على الوقوف الزائف على الأطلال من البعض، وليس على مواصلة التغني بنظام واصل الإصرار على تجاهل شعبه، بل محاربته، بل على مساندة كل الجهود السورية والإقليمية والدولية لتعظيم فرص الخروج بحكومة سورية تشترك فيها القوى السلمية السورية كافة، التي تؤمن فعلا لا قولا بالتعددية والسلمية وتعمل من أجل مستقبل أكثر إشراقا لسوريا البلد والحضارة.

إن حكومة كهذه لا بد أن تقف مع الشعب السوري الرافض للتدخلات والانتهاكات الإسرائيلية، وأن تكون منسجمة مع مواقف كل مكونات الشعب السوري العظيم الرافض للسياسات الإسرائيلية وللاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية والعربية. وفي هذا السياق، لا بد من مساعدة اللاجئين السوريين للعودة الطوعية لبلادهم والمساهمة في بناء مستقبل بلادهم.

إن الخوف من الجماعات الإسلامية المتشددة، لا يجوز أن يعني الإصرار على أنظمة تقتل شعوبها، بينما تتغنى لفظيا بالوقوف ضد إسرائيل وتفتقر للحد الأدنى من الحوكمة الرشيدة. هناك فرصة كبيرة ـ إن نجحت مكونات الشعب السوري اليوم في تطوير نظام تعددي تشاركي سلمي يركز جهوده على تلبية احتياجات الناس ـ لخلق نموذج جديد يختلف عن النماذج الإقصائية، التي رأيناها بعد المرحلة الأولى من «الربيع العربي»، نموذج يمكن أن يحتذى ويؤشر لمرحلة إيجابية جديدة في المنطقة.

لا يستطيع أحد أن يقنعنا بإيمانه بالديمقراطية وحكم السيف في الوقت نفسه. هذه دعوة لإدراك أهمية الانتقال السلمي ليس فقط لنظام جديد، ولكن أيضا لمناخ جديد في المنطقة يعتمد التشاركية والتعددية والتنمية الاقتصادية الحقة أساسا لمستقبل تستحقه شعوب المنطقة كافة. هذا أقل ما يمكن أن نفعله للاحتفاء بالشعب السوري وتقديم المباركة له.

"القدس العربي"

مواضيع قد تهمك