فهد الخيطان
ثلاثة حوادث
مدرسية وقعت مؤخرا، تشكل مناسبة لتأمّل مشهد التعليم في الأردن. مشهد نال أكبر قصد
من السجال الوطني في السنوات الأخيرة، سعيا وراء إصلاح العملية التعليمية، وتحسين
كفاءة مخرجاتها، والنتيجة أننا نراوح في نفس المكان تقريبا.
لم تكن مشكلتنا عدم وجود إستراتيجيات للإصلاح فما أكثر، أو نقص في الإرادة العليا للمضي في عملية التحديث فهي متوفرة عند أعلى مرجعيات القرار، لكنه العجز المستوطن فينا عند التنفيذ، وعدم الالتزام وفقدان الشجاعة اللازمة لتحريك المياه الراكدة ومواجهة التيار السائد في المؤسسات الرسمية.
الحوادث التي وقعت لعدد من الطلاب في مدارسنا ليست سوى أمثلة صغيرة على تجاوزات أكبر تحدث في الميدان، وسط عجز أو لنقل تواطؤ الإدارات المسؤولة حيالها، وغياب الجدية في معالجتها. وفي البال تدني مستوى مخرجات العملية التعليمية والافتقار للمحاسبة والمساءلة، وسيطرة مدرسة بيروقراطية نفعية لا مبالية على التعليم، لأن القائمين عليه في الميدان، وأقصد المدارس، هم في جلّهم أقل كفاءة وإدراكا لمسؤولياتهم حيال بناء وتربية جيل جديد.
عدم الاكتراث هو الطابع السائد في مدارسنا، سواء تعلق الأمر بالعملية التعليمية ومستواها، أو تطبيق تعليمات الانضباط المدرسي، وحالة التسيّب التي تسيطر على الهيئات التدرسية والمسؤولين عن الإدارات المدرسية.
وزارة التربية والتعليم هي الأضخم في جهاز البيروقراطية الأردنية، وعوضا عن التفكير بطرق لترشيقها وجعلها أكثر كفاءة واحترافا، نحثّ الخطى لدمجها مع وزارة التعليم العالي ليزداد جسم الوزارة ثقلا وتباطؤا وبيروقراطية.
في أطراف الوطن ومحافظاته نسمع عن وقائع مهولة عن حجم انتشار المخدرات في أوساط طلابنا، إضافة للتدخين المستشري، وانعدام الكفاءة في مستوى العملية التعليمية ونقص المعلمين، وإن لم يكن وجودهم في حالات كثيرة يحدث أي فارق في التحصيل الأكاديمي.
بقرارها الحصيف إنشاء مركز متخصص للمناهج وآخر للامتحانات، تكون الدولة قد أنقذت الأجيال القادمة من البقاء تحت حكم البيروقراط الوزاري، وحررت أساس العملية التعليمية من القيود الثقيلة، فماذا تبقّى لهذا القطاع كي يبدو بهذا الترهل والتسيّب والعجز عن أداء وظائفه؟!
لقد بدأت
الدولة مشروعا طموحا لتطوير قدرات المعلمين، وما يزال في بداياته، لكن ما أخشاه أن
النتائج لن تكون بالمستوى المأمول. لقد خسرنا فرصة تاريخية لبناء أجيال من
المعلمين الأكفاء، منذ ذلك اليوم الذي خذلنا فيه أكاديمية الملكة رانيا لتدريب
المعلمين، فتحولت إلى كلية تتبع جامعاتنا العتيدة؛ تخرّج ولا تؤهل!
ننفق الكثير على بناء المدارس، وتحسين أحوال المعلمين المادية، ونضع مناهج دراسية محسنّة كل عام رغم ضجيج الرجعيين المرافق لكل عملية تحديث للتعليم، لكننا لم نواجه بعد العقلية التي تحكم المؤسسة التعليمية، والبيئات الحاضنة لها.