د. محمد أبو رمان
تمرّ العديد من الأحزاب السياسية، بخاصة ما أُطلق عليها البرامجية، الجديدة، بمرحلة انتقالية وحراك داخلي، يصل في بعضها إلى ما يشبه العواصف الداخلية، بعد الانتخابات النيابية، بخاصة أنّ نتائج أغلب هذه الأحزاب لم تكن على مستوى التوقعات، على الأقل التي كان يروجّها قادتها حينها أو حتى لدى العديد من دوائر القرار.
أغلب هذه الأحزاب شهدت تغييرات على مستوى القيادة، لكنّها تمرّ اليوم بمرحلة انعدام وزن، فيما تجري مشاورات بين العديد منها للتجمع والوحدة، مثلما هي التسريبات التي تتعلّق بحزبي إرادة وتقدّم، فيما تعاني أحزاب أخرى من مشكلات بنيوية وكبيرة، وصراعات قد تعصف بوحدة تلك الأحزاب، سواء تلك التي وصلت إلى قبة البرلمان أو من لم تصل، وفي كل الحالات فإنّ المرحلة القادمة ستشهد تحولات كبيرة وعديدة على صعيد المشهد الحزبي، وهو أمر طبيعي لتجربة ما تزال طريّة، من زاوية الدور الجديد للأحزاب السياسية في العمل البرلماني.
لكن ما هو ملاحظ ومقلق فعلاً هي حالة الغضب والإحباط العامة لدى أغلب الشباب في هذه الأحزاب، قبل أيام تسنّى لكاتب هذه السطور الدخول في نقاش معمّق مع قرابة 20 شاباً، من محافظات الشمال (ضمن مشروع أفق جديد الذي يعقده معهد السياسة والمجتمع مع صندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية، ويضم قرابة 90 شاباً من مختلف محافظات المملكة)، ويعتبرون من القيادات والناشطين الشباب، والعديد منهم انخرط في العمل السياسي والحزبي، لكن غالبيتهم هجرت العمل الحزبي بعد الانتخابات، ويرون أنّ هذا الموقف منتشر وعام بين كثير من أقرانهم من جيل الشباب.
ما الأسباب التي أدت إلى هذا النزوح الشبابي؟! يجيبون بأنّ هنالك شعورا لدى نسبة كبيرة من الشباب داخل الأحزاب السياسية، بعدم وجود أدوار قيادية حقيقية لهم داخل الأحزاب، فضلاً عن أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء الشباب لم يجدوا في الأحزاب السياسية البيئة المناسبة والحاضنة لهم، والسبب في ذلك يعود لأنّ أغلب هذه الأحزاب السياسية اعتمدت طرقاً خاطئة في تجنيد الشباب، لا تقوم على الاقتناع بالطرح والهوية الحزبية والدور الداخلي، فضلاً عن غياب الخبرة الحزبية في التعامل مع جيل الشباب وخلو الأحزاب من «أكاديميات داخلية» تقوم على تصعيد وتطوير قدرات ومهارات الشباب وتثقيفهم في العمل الحزبي.
بالرغم من أنّ إدماج الشباب في العمل الحزبي والسياسي هو أحد ركائز مشروع التحديث السياسي والغاية منه، وشكّل ذلك نقطة تحول في إدراك «مطبخ القرار» في عمان، فيما يتعلّق بالسياسة الوطنية الشبابية، وبالرغم من حجم الاهتمام الكبير من مستويات القرار بهذا الملف، وعقد العديد من الورشات والجلسات والتدريبات للشباب، وبالرغم كذلك من أنّ الفترة السابقة شهدت فعلاً ولوج آلاف الشباب الجدد للعمل الحزبي، إلاّ أنّ المرحلة الحالية تمرّ باتجاه معاكس، من الضروري أن يتم الاستدراك عليه والعمل على أكثر من صعيد لاستدامة زخم العملية الحزبية بل وإصلاح الاختلالات التي حدثت خلال المرحلة السابقة، مع التركيز على الأجنحة أو المنظمات الشبابية والنسوية المتعلقة بالعمل الحزبي.
مرّة أخرى ما حدث من ارتباك في المشهد الحزبي أمر موضوعي وطبيعي ويحدث في العادة في التجارب الجديدة، لكن من المهم الاستدراك عليه والعمل على بناء أجندة عمل من قبل الأحزاب نفسها أو حتى مؤسسات الدولة التي لديها اهتمام كبير في استقطاب الشباب نحو العمل الحزبي البرامجي، ومن معالم المرحلة القادمة المطلوبة الاهتمام بالحوكمة الحزبية وتحديداً مأسسة الأحزاب السياسية، من قبل الأحزاب السياسية، وتجسير العلاقة بين الأحزاب والجمعيات الأهلية والمحلية وتطوير مفاهيم واضحة لهوية الأحزاب وبرامجها، وإعطاء الأولوية لتعزيز أدوار الشباب والنساء القيادية والتنظيمية ومنحهم مساحة أوسع من الحرية للنشاط والعمل.
الدستور