شريط الأخبار

مدننا لم تعد جميلة

مدننا لم تعد جميلة
كرمالكم :  

فهد الخيطان

إيقاع حياتنا السريع، والانهماك الدائم في العمل، لا يمنحنا فرصة التأمل في الأحياء التي نسكنها أو الطرقات التي نعبرها يوميا. ولسنوات قليلة مضت كنا نتردد في القول إننا نعيش في مدن كبرى كحال الدول الأخرى. ظلت نظرتنا لعمان وإربد والزرقاء كما لو أنها ذات المدن الصغيرة التي عرفها الناس قديما.

لكن التنقل بين مناطق العاصمة عمان مثلا يجعلك تشعر أنك تعيش في مدينة ضخمة تستحق أن تتفرع منها مدن مستقلة بإداراتها وسكانها. والإشكال الأكبر ربما أننا ما نزال نتعامل مع مدن مترامية الأطراف تماما كما كان الحال قبل عقود سابقة.

بالنتيجة بدأنا نفقد السيطرة على توسعها ومعمارها وخدماتها. أيام العطل والإجازات هى الفرصة الوحيدة التي تعطيك المجال لتنظر من حولك وتتفحص الأمكنة بمبانيها وشوارعها وهندستها.

وتكتشف للأسف أنها لم تعد جميلة أبدا كما نحب أن تكون في مخيلتنا. المباني السكنية التي تلتهم الأراضي من كل الاتجاهات، تبدو صماء بلا هوية. تتكاثر يوميا بلا سيطرة على هندستها المعمارية، فيبدو الشارع الواحد خليطا عجيبا من الأشكال الهندسية لواجهات منفرة تفتقد للأصالة والمعنى الإنساني. ولكل مدخل بناية هوية خاصة ورصيف بلون اختاره سكانها لا يتوافق مع المباني المجاورة.

وفي ظل نقص الموارد المالية لا تحظى هذه الأرصفة بالصيانة اللازمة ولا توجد قواعد محددة تحكم لونها أو ارتفاعها. الأمر برمته يخضع لمزاج السكان والمقاولين، وكأن الرصيف والشارع ملكهم الخاص.

يندر أن تجد شارعا واحدا في هذه المدن الكبرى معبد بشكل جيد. الحفر والمطبات والترقيعات تملأ الشوارع الرئيسية منها والفرعية. فرصة التمتع بقيادة السيارة بهدوء غير متوفرة إطلاقا، فما أن تتحرك بسيارتك وتسرح في الأفق حتى يداهمك مطب أوحفرة، أو منهل تحول لحفرة، لتصحو فجأة على الحالة المزرية حولك.

تمعن النظر في تفاصيل الشوارع، فيصدمك مشهد الحاويات المقزز. لم أر في أي بلد زرته هذا الشكل من الحاويات المتحركة والمتناثرة في الشوارع. مع مرور الوقت تتحول الحاوية إلى كومة من الحديد الصدئ والقذر. تفريغها اليومي في السيارات الخاصة يحولها مع مرور الوقت إلى كتلة لاتعرف شكلها. وبسبب النمط المتبع في جمع النفايات العشوائي من الحاويات، تصبح الحاوية المركونة على زاوية الشارع جزءا أصيلا منه عليك أن تمنحها الأولوية قبل المركبات والمشاة. والمساحة المحيطة بها تتحول هى الأخرى لمنطقة منكوبة بالقمامة والقذارة الدائمة.

في العالم من حولنا، وكما نشاهد جميعا في أسفارنا تطورت انظمة جمع النفايات بشكل ترى معه الحاويات في شوارعهم وكأنها إضافة جمالية للمكان، لا تشبه حاوياتنا التي تصدمك كل يوم ببشاعتها.

الشواهد تلك تكاد تكون الهوية الجامعة لمدننا وأحيائنا، ويسوء الحال أكثر كلما ابتعدت عن العاصمة حيث العشوائية في البناء والفوضى المرورية في الشوارع، وغياب الهوية المعمارية، وسوء إدارة ملف جمع النفايات.

مدننا تتوسع بسرعة وتتحول إلى أحياء عملاقة، لكنها تفتقر للتنظيم السليم والمتابعة والرقابة وأكثر من ذلك للحداثة في الخدمات. وتفقد روحها الجميلة التي تشكلت في مراحل التأسيس. لماذا تبدو الأحياء القديمة في عمان وغيرها من مدننا الكبرى أكثر جمالا ودفئا من الأحياء الجديدة؟ ربما لأنها ما تزال تحتفظ بهويتها التاريخية.

عندما تفقد المدن هويتها يبدأ سكانها أيضا في الشعور بالغربة وعدم الانتماء.

"الغد"

مواضيع قد تهمك