إسماعيل الشريف
لا يمكن ممارسة التجارة دون إشعال شمعة للشيطان – مثل إنجليزي.
بعد أن ضغط الرئيس ترامب على نظيره الأوكراني زيلينسكي ووبّخه أمام الكاميرات، ثم أوقف المساعدات المقدَّمة لبلاده، وقّعت الولايات المتحدة قبل أيام اتفاقية لاستخراج المعادن النادرة مع أوكرانيا، تنص على إنشاء صندوق لإعمار البلاد بقيمة 500 تريليون دولار، تموّله أوكرانيا وتملكه الدولتان مناصفة.
وقال الرئيس الأمريكي إن الولايات المتحدة ستستعيد الأموال التي دفعتها في حرب الوكالة التي تخوضها أوكرانيا ضد روسيا منذ عام 2022، وقد حدّد ترامب المبلغ بـ350 مليار دولار، بينما تشير التقديرات إلى أنه لا يتجاوز 175 مليارًا.
نفّذت الولايات المتحدة واحدة من أكثر صفقاتها ربحًا مع أوكرانيا، لتكون هذه القصة مثالًا واضحًا على الكيفية التي تجني بها واشنطن الأموال من حروبها.
1 - أكثر من نصف الأسلحة الأمريكية التي سُلّمت إلى أوكرانيا هي أسلحة قديمة تجاوزها الزمن، وبعضها منتهي الصلاحية، وقد تراكم عليها الغبار في مستودعات الجيش الأمريكي منذ أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي. لم تعد الولايات المتحدة تستخدمها، مثل قذائف المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، فجاءت هذه الحرب فرصة مثالية للتخلّص منها، والحصول مقابلها على مليارات الدولارات بدلًا من إتلافها.
2 - يشير تقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إلى أن جزءًا بسيطًا فقط من المساعدات الأمريكية لأوكرانيا كان نقدًا، ويُقدَّر بما بين 20 إلى 30 مليار دولار. ووفقًا للتقرير، فإن الجزء الأكبر من التمويل تتحمّله مؤسسات دولية، وعلى رأسها البنك الدولي.
3 - كما منحت الولايات المتحدة أوكرانيا قرضًا بقيمة 20 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة، وهو قرض يتعيّن على أوكرانيا سداده لاحقًا.
4 - وبشكل عام، أشار تقرير لصحيفة واشنطن بوست إلى أن 90 % من المساعدات الأمريكية تبقى داخل الولايات المتحدة، إذ تُصرف معظم تلك الأموال على شركات السلاح والبنية التحتية العسكرية الأمريكية، وليس على شكل دعم مباشر للدول المتلقية.
5 - تستخدم أوكرانيا أسلحة قديمة، في الوقت الذي يجدد فيه الجيش الأمريكي مخزونه من الأسلحة، ما ينعش عمل شركات التصنيع العسكري التي تُعد من أهم ركائز الاقتصاد الأمريكي. ومن خلال هذا الاستخدام، وفّرت الولايات المتحدة مئات ملايين الدولارات التي كانت ستنفقها على التخلص من تلك الترسانات، كما ضمنت أن تذهب هذه الأسلحة إلى دولة حليفة تخوض حربًا بالنيابة عنها وتحقق مصالحها الاستراتيجية. وهو خيار يفوق بكثير بيعها لدول أخرى بسعر منخفض، دون ضمان معرفة الوجهة النهائية لاستخدام هذا السلاح.
6 - وتشير تقارير إلى أن تقييم قيمة هذه الأسلحة كان مبالغًا فيه إلى حد كبير؛ فعلى سبيل المثال، قُدّرت أسلحة لا تتجاوز قيمتها 8 مليارات دولار بمبلغ 65 مليارًا.
فلنتخيّل السيناريو التالي: تغزو روسيا أوكرانيا، فتسارع الولايات المتحدة وأوروبا لنجدتها لأسباب عديدة، من بينها استنزاف روسيا، وإضعافها، وتوجيه رسالة ردع إلى الصين في حال فكّرت باجتياح تايوان. قامت واشنطن بتزويد أوكرانيا بأسلحة قديمة قُدّرت بأضعاف ثمنها الحقيقي، بينما عملت شركات السلاح الأمريكية ليلًا ونهارًا لتجديد ترسانة الجيش الأمريكي، ما ساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني.
وحين شعرت الولايات المتحدة أنها حققت أهدافها من الحرب، ولم تعد المعركة تخدم مصالحها، تخلّت عن أوكرانيا، وأرغمتها على توقيع اتفاقية سيتحمّل تبعاتها عشرة أجيال قادمة، استردّت بموجبها واشنطن أضعاف ما أنفقته، بل ومنحت شركاتها الحصة الكبرى في مشاريع إعادة إعمار أوكرانيا.
عزيزي القارئ، هل رأيت في حياتك تجارة تُدرّ أرباحًا تفوق هذه؟
وسؤال نطرحه للتأمل: هل يمكن تطبيق النموذج ذاته على حرب الإبادة في غزة؟
الدستور