شريط الأخبار

الآن .. وقد وضعت الحرب أوزارها

الآن .. وقد وضعت الحرب أوزارها
كرمالكم :  

د.محمد ابوهديب

أعلنت كل من إيران والاحتلال الإسرائيلي "انتصارها” في الحرب الأخيرة، وهما صادقتان من وجهة نظر كل منهما، لأن الخاسر الأكبر فعليًا هم العرب. العرب الذين لا يملكون مشروعًا موحدًا، وتُحتل أراضيهم، وتُمزق بعض دولهم من الداخل. وفي ظل هذه المشهدية الإقليمية، تبرز أمامنا الحقائق التالية:

أولًا:
الفاعل الحقيقي في المنطقة اليوم هو التاجر المسلح بالقوة: دونالد ترامب. هو من يطلق شرارة الحرب ويوقفها، بحسب ما تمليه عليه مصالحه، التي ستظهر تباعًا في المستقبل القريب. نحن أمام إعادة رسم لخريطة النفوذ في المنطقة، لا وفقًا لمصالح الشعوب أو القانون الدولي، بل وفقًا لمعايير القوة والمصلحة الأميركية وحدها.

ثانيًا:
إيران، بعد الحرب، ستنكفئ إلى الداخل، بعد أن تكشفت لها حجم الاختراقات الأمنية المرعبة داخل مؤسساتها، والتي كادت أن تودي بها. وسنشهد على الأرجح خلافات داخلية عميقة تؤدي إلى تغيير في شكل وأولويات سياسا
ثالثًا:
الاحتلال الإسرائيلي، بقيادة اليمين المتطرف، أراد إثبات أنه القوة الأولى في الإقليم. وقد حقق جزءًا من هذا الهدف، ولكن الواقع يقول إن هذا الكيان لا يمكن أن يصمد أو "يعربد” لولا الدعم الأميركي والغربي. لقد تلقى ضربات غير مسبوقة من دولة تبعد عنه آلاف الكيلومترات، رغم أنها فقدت أذرعها في المنطقة قبل الحرب. فكيف لو وُجدت إرادة عربية موحدة؟ لكان شكل المنطقة مختلفًا تمامًا.

رابعًا:
نحن مقبلون على إعادة تشكيل المنطقة برؤية صهيو-أميركية، دون دولة فلسطينية، وبسلام اقتصادي شامل يُفرض بالقوة. ستُقدّم الجزرة وتُشهر العصا في وجه من يعارض. البيئة العربية أصبحت خصبة لتقبل هذا الواقع، بعد أن أنهكتها الحروب والقتل والتهجير والقمع. الشعوب لم تعد تبحث عن الكرامة فقط، بل عن الراحة والأمان، بعد أن تم تدمير روحها القومية، وتحولت "القطرية” إلى ملاذ وخوف، لا إلى انتماء واعٍ.

خامسًا:
العبرة الكبرى من هذه الحرب هي أهمية الجبهة الداخلية. فصمود أي دولة وانتصارها لا يتحقق إلا عبر الاعتماد على الذات، وعلى وعي شعوبها وإرادتها. ويجب أن نعي، بلا مكابرة، أن المشروع الإسرائيلي يستهدف منطقتنا بوضوح، لا فقط عسكريًا، بل عبر فرض حلول سياسية تخدم رؤيته للمنطقة.

سادسًا:
المقلق أن معظم الأنظمة العربية تتعاطى مع القضية الفلسطينية كعبء، وتسعى لإغلاق ملفها بأي شكل. إن المطلوب اليوم ليس خطابًا عاطفيًا، بل توحيد وتقوية الجبهة الداخلية، دون تخوين أو إقصاء. علينا أن نستنهض كل مكامن القوة في أوطاننا وشعوبنا، وأن نوقف أساليب الانتهازية السياسية والتسلق عبر الخطابات الفارغة وصناعة أعداء وهميين.

سابعًا:
إن تزييف الوعي هو الخطر الأكبر، وهو ما يُضعف الدول ويجعلها لقمة سائغة أمام المتربصين. فبقاء الوطن أهم بكثير من طبقة امتهنت النفاق لتحصيل المنافع السياسية والمالية.

وأخيرًا:
ثبت بالدليل أن وطننا يمتلك قيادة واعية ومدركة لما يجري، وقادرة على حماية المصالح العليا رغم صعوبة المرحلة. كما نمتلك مؤسسات أمنية وجيشًا احترافيًا يقظًا ومتيقظًا لكل خطر. لكن لا بد من رديف حقيقي: شعب واعٍ يدرك أن المرحلة القادمة صعبة وتتطلب بناء مؤسسات مدنية قوية تواكب حجم التحديات.

حمى الله الأردن، وحمى أمتنا العربية من كل شر، قريبٍ أو بعيد.


مواضيع قد تهمك