شريط الأخبار

الدروز وسيناريوهات الأمن الأردني

الدروز وسيناريوهات الأمن الأردني
كرمالكم :  

بقلم: عدنان البدارين

تتجه الأنظار نحو الجنوب السوري وتحديدا محافظة السويداء معقل الدروز في سوريا. هناك تطورات ميدانية وسياسية متسارعة قد تعيد رسم خرائط النفوذ والهويات في المنطقة.

تزداد حدة التوترات داخل المجتمع الدرزي السوري. في المقابل، تعالج عمّان بصبر وأناة ودبلوماسية التداعيات المحتملة لهذه الأزمة. تستند عمّان في ذلك إلى اعتبارات أمنية وجغرافية واجتماعية تجعل استقرار الجنوب السوري مسألة بالغة الأهمية للأردن.

الموقع الجغرافي لمحافظة السويداء على بعد أقل من 60 كيلومترا من مناطق أردنية يقطنها دروز، أبرزها الأزرق، يضع الأردن في مرمى التأثير المباشر لأي تصعيد أو تغيير جوهري في بنية السلطة أو السيادة هناك. تزداد حساسية الأمر لوجود مكون درزي أردني متداخل عائليا وثقافيا مع الدروز في سوريا، ما يجعل الأردن مراقبا قلقا إن لم يكن شريكا قسريا في التطورات القادمة.

تتردد بقوة مخاوف أردنية مشروعة من أن يكون الجنوب السوري مقبلا على سيناريو "لبننة درزية" جديدة. يقوم هذا السيناريو على فرض معادلة الأمر الواقع عبر فصائل محلية تنادي بالإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي، مدعومة بغطاء إسرائيلي معلن. في حال تحقق ذلك، سيواجه الأردن تحديا أمنيا مباشرا قد يتمثل في تسلل عناصر أو أسلحة عبر الحدود أو بروز نزعات طائفية داخل مكوناته خاصة في المناطق التي تضم سكانا من الطائفة الدرزية.

يزيد من تعقيد الموقف الانقسام الواضح داخل المجتمع الدرزي في سوريا. ففي حين يميل تيار سياسي واجتماعي مسلح – مثل حركة رجال الكرامة وتجمع أحرار جبل العرب – إلى التنسيق مع دمشق وتجنب التصعيد، يتبنى التيار الروحي المحيط بالشيخ حكمت الهجري خطابا أكثر حدة يقترب من مشاريع الانفصال ويخاطب الخارج طلبا للدعم، ويعقد لقاءات مع مسؤولين أمريكيين وينسق مع الجانب الإسرائيلي.

تتداخل هذه التطورات مع مشروع إسرائيلي أوسع يعرف باسم "ممر داوود"، الذي يحظى باهتمام كبير لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب. يحمل هذا المشروع أهدافا استراتيجية لإسرائيل أبرزها إعادة تشكيل سوريا بما يخدم مصالحها عبر تفتيتها وإضعاف السلطة المركزية في دمشق. هذا المشروع شريط جغرافي ضيق يمتد عبر قلب المشرق، يبدأ من مرتفعات الجولان المحتلة في الجنوب الغربي ويمر بالمحافظات السورية الجنوبية المحاذية لإسرائيل والأردن (القنيطرة ودرعا)، ثم يتسع شرقا عبر السويداء في جبل حوران ويدخل البادية السورية باتجاه معبر التنف الاستراتيجي على الحدود السورية العراقية الأردنية. يشكل "ممر داوود" خنجرا جغرافيا في خاصرة الدولة السورية يربط بين خطوط النار والحدود، ويقطع التواصل بين دمشق وعمقها الشرقي، ويضع الأردن على تماس مباشر مع مشروع تقسيم فعلي.

شكل دخول العشائر العربية على خط الصراع عاملا مفاجئا في قلب المعادلة. حيث تدخلت مجموعات عشائرية من بدو السويداء ودرعا بدعم مباشر من حكومة دمشق في محاولة لإعادة التوازن الميداني لصالح الدولة السورية. ساهم هذا التدخل الذي ترافق مع تأمين خطوط إمداد عسكرية ومعلوماتية في احتواء بعض محاولات التصعيد من قبل الفصائل الدرزية الأكثر راديكالية، وقلب جزئي في ميزان القوى داخل المحافظة. كما أعاد هذا التحرك تذكير الأطراف الإقليمية بأن القبائل والعشائر في الجنوب لا تزال قوة وازنة يمكن أن تستخدم كرافعة دعم للدولة أو كأداة مضادة لأي مشاريع انفصالية أو مدعومة خارجيا.

هذه الانقسامات الداخلية انعكست بدورها على المشهد الأردني حيث لوحظت تحركات أمنية احترازية واسعة على الحدود الشمالية وتباينات لافتة في الخطاب العشائري والديني داخل البلاد. وهو ما دفع السلطات إلى تعزيز وجودها الأمني في مناطق الاحتكاك المحتملة تحسبا لأي امتداد للأزمة إلى الداخل الأردني.

السيناريوهات المحتملة ومستقبل الدور الأردني

السيناريوهات المحتملة تتوزع بين ثلاثة مسارات رئيسية تتفاوت في درجة خطورتها وتعقيدها:

- السيناريو المقلق: يتمثل في إعلان إدارة ذاتية درزية في السويداء تحت مسمى مجلس عسكري أو سياسي محلي، مدعوم ضمنيا من إسرائيل. هذا الكيان، إذا ما تشكل، سيضعف سيادة الدولة السورية في الجنوب ويفتح الباب أمام إنشاء معابر حدودية خارج سلطة دمشق، ما يضع الأردن أمام معضلة حقيقية. في هذه الحالة سيكون رد عمان مزيجا من الحذر والتصعيد الوقائي عبر تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود والانخراط سياسيا في جهود عزل المشروع الانفصالي عبر التنسيق مع الحكومة السورية، وربما عبر تحرك دبلوماسي أوسع في المحافل الدولية.

- السيناريو الأقل تصادمية – وهذا ما يجري العمل عليه حاليا -: يقوم على تسوية سياسية داخلية تعيد دمج الدروز في هيكل الدولة السورية، من خلال وساطة إقليمية ودولية قد تضم الأردن وروسيا والولايات المتحدة. بموجب هذا السيناريو يتم احتواء التيار المتشدد وإعادة توزيع الصلاحيات داخل المحافظة مع منح القوى المحلية أدوارا في الأمن والإدارة دون المساس بالسيادة المركزية لدمشق. بالنسبة للأردن، يعد هذا الخيار الأمثل إذ يعزز الاستقرار الحدودي ويطمئن المكون الدرزي داخليا ويفتح آفاقا لتعاون اقتصادي ومدني عبر مشاريع تنمية مشتركة.

- السيناريو الأكثر سوداوية: يقوم على احتمال تصعيد عسكري واسع من قبل إسرائيل في الجنوب السوري تحت ذرائع مواجهة النفوذ الإيراني أو حماية الأقليات. هذا التصعيد، إذا ما وقع، قد يتسبب في موجة نزوح جديدة نحو الأردن مع احتمالية استهداف منشآت سورية قريبة من حدوده. وهو ما قد يضع عمّان أمام امتحان مزدوج أمني وإنساني. في مثل هذه الحالة سيكون على الأردن التحرك دبلوماسيا لاحتواء الأزمة ورفع مستوى تأهبه العسكري على الجبهة الشمالية لمنع أي تسلل أو تسلل معاكس، مع الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة مع دمشق وربما التنسيق مع موسكو لتفادي الانزلاق نحو مواجهة إقليمية أوسع.

في ضوء كل ما سبق، تبدو خيارات الأردن محكومة بموازنة دقيقة بين أمنه الداخلي وعلاقاته الإقليمية وقراءته للتحولات الجارية. فبقدر ما يرغب الأردن في تجنيب حدوده أية ارتدادات للفوضى السورية، فإنه لا يستطيع البقاء على الحياد إذا ما تحولت السويداء إلى ساحة مواجهة طائفية أو انفصالية. هنا تحديدا، تبرز أهمية الدور الأردني كوسيط إقليمي عقلاني قادر على التحاور مع جميع الأطراف وإطلاق مبادرات تهدف إلى الحفاظ على وحدة سوريا واستقرار جنوبها، بما يتقاطع مباشرة مع مصالحه العليا.

في المحصلة، فإن أزمة الدروز في سوريا لم تعد شأنا داخليا سوريا صرفا، بل تحولت إلى عقدة إقليمية تتطلب تفكيرا استراتيجيا متقدما. وإذا كان التوغل الإسرائيلي في الجنوب يهدف إلى تطويق دمشق وإضعافها، فإنه في الوقت ذاته يشكل تهديدا مباشرا لعمّان التي تجد نفسها مجددا على مفترق طرق بين الانخراط الحذر والانكفاء الوقائي. يبقى السؤال مفتوحا: هل ينجح الأردن في تحويل الأزمة إلى فرصة لتعزيز نفوذه الدبلوماسي أم يضطر إلى مواجهة تداعياتها كأمر واقع؟

 
 
 

مواضيع قد تهمك