د. صالح ارشيدات
غزة، المدينة المحاصرة منذ سنوات، تقف اليوم شاهدة على واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث: إبادة جماعية تُرتكب يوميًا بحق شعبها، على مرأى ومسمع من العالم، في ظل صمت دولي مريب، وتواطؤ سياسي وأخلاقي مفضوح. ليست القضية مجرد حرب أو نزاع، بل عملية ممنهجة لخنق الحياة، وتدمير الكرامة، وإنهاء الوجود الفلسطيني في هذا الجزء من الأرض.
ما يجري في غزة يتجاوز نطاق العمليات العسكرية. نحن أمام مشروع إقصاء وإفناء، هولوكوست دائم يمارس بأساليب متعددة: من التجويع المتعمد، إلى تدمير البنية التحتية، إلى استهداف المستشفيات والمدارس، ومنع دخول الغذاء والدواء. إنها ليست فقط أزمة إنسانية، بل انتهاك سافر لكل القوانين الدولية والمواثيق التي طالما تغنّى بها العالم.
الجرائم تُرتكب علنًا، في وضح النهار، وتُوثّق بالصوت والصورة، ومع ذلك، لا نجد أي تحرك حقيقي لمحاسبة الجناة. في كل يوم يُترك طفل مريض دون علاج، أو تُمنع شاحنة مساعدات من الدخول، تُضاف جريمة جديدة إلى سجل لا ينضب.
التصعيد ضد غزة لم يكن مفاجئًا. فخلال عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حظيت إسرائيل بدعم غير مسبوق، منحها غطاءً سياسيًا ودبلوماسيًا لتنفيذ أجندتها التوسعية. بذرائع دينية ومفاهيم زائفة مثل "الحق الإلهي”، تحولت الأرض الفلسطينية إلى ساحة مفتوحة للغطرسة الإسرائيلية، دون حساب أو رادع.
ذلك الدعم شجع الاحتلال على انتهاج سياسة إبادة ناعمة ولكنها أشد قسوة، تُمارس تحت مظلة قانونية مزيفة، وسط تواطؤ دولي جعل العدوان يبدو وكأنه أمر طبيعي، بل مشروع. كل هذه العوامل ساهمت في تحويل غزة إلى مختبر للعنف والإذلال.
أمام مشهد الدمار في غزة، سقطت ورقة التوت عن المؤسسات الدولية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان. القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، ومواثيق حقوق الإنسان، كلها أصبحت حبرًا على ورق أمام آلة الحرب الإسرائيلية. مجلس الأمن مشلول، تُجهض قراراته بفعل "الفيتو” الأمريكي، والدول الأوروبية تلوذ بالصمت أو تقدم تبريرات مخزية.
إن العالم، بمؤسساته ومنظماته، لم يفشل فقط في حماية المدنيين، بل أصبح شريكًا في الجريمة من خلال عجزه المتعمد، ومواقفه المزدوجة. هذا الانهيار الأخلاقي لم يعد خفيًا، بل بات واضحًا لكل العالم.
السكوت على ما يحدث في غزة لم يعد يُفهم على أنه حياد، بل أصبح تواطؤًا صريحًا. حين تُحاصر مدينة بكاملها، وتُمنع عنها الكهرباء والماء والغذاء، وتُقصف أحياؤها ليلًا ونهارًا، ولا يتحرك العالم، فإن هذا الصمت يُترجم دعمًا للمحتل، لا حيادًا تجاه النزاع.
تجويع السكان وسلبهم حقهم في الحياة هو سلاح من أسلحة الإبادة الجماعية، لا يقل فتكًا عن الصواريخ والقنابل. هذا الواقع يجب أن يُجرَّم دوليًا، ويجب أن تُفرض عقوبات على من يشارك فيه أو يصمت عنه، تمامًا كما حدث في حالات مشابهة من تاريخ البشرية.
وسط هذا المشهد المأساوي، تبرز بعض المواقف التي تعيد شيئًا من الثقة بالضمير الإنساني.
الأردن، قيادةً وشعبًا، لم يتخلَ عن غزة، بل حافظ على موقفه الداعم سياسيًا وإنسانيًا، رغم كل الضغوط. وقدّم المساعدات، واستمر في إيصال الصوت الفلسطيني إلى المحافل الدولية.
كما ظهرت تحركات شعبية وحقوقية في مختلف أنحاء العالم، خرجت في مظاهرات، وعبّرت عن رفضها للغطرسة الإسرائيلية، وللصمت الدولي المخزي. هذه الأصوات، وإن كانت محدودة التأثير حتى الآن، إلا أنها تعبّر عن وجدان إنساني حيّ، لا يزال يقاوم التزييف، ويرفض أن يُغسل الدم الفلسطيني بصمت .
رغم الحصار والدمار، فإن غزة لم تنكسر. بل تحوّلت إلى رمز عالمي للصمود. أطفالها يذهبون إلى المدارس تحت القصف، وشبابها يرممون ما يمكن من البيوت، ونساؤها يصنعن من الحطام حياة. إنها مدينة لا تموت، بل تُقاوم وتُربّي جيلًا لا يعرف الانكسار.
الدماء التي سُفكت في غزة لن تُنسى، والضحايا ليسوا مجرد أرقام، بل أرواح شاهدة على ظلم العالم، وأدلة حية على أن العدالة لا تموت، مهما تأخرت.
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد قضية فلسطينية، بل هو اختبار أخلاقي للعالم بأسره. إما أن ينهض ليحمي الكرامة الإنسانية، أو يبقى شاهد زور على واحدة من أعظم الجرائم في العصر الحديث. غزة، بما تمثله من صمود ومعاناة، تكشف حقيقة النظام العالمي، وتفضح ازدواجية معاييره.
السكوت لم يعد مقبولًا، والاختباء خلف المصطلحات الدبلوماسية لم يعد مجديًا. آن الأوان لموقف حاسم، واضح، ضد الاحتلال، ومع الضحايا. فغزة ليست مجرد مكان، بل قضية أخلاقية وإنسانية لن تزول، حتى يتحقق العدل، وتُحاسب كل يد ساهمت في هذه الجريمة.
د. صالح ارشيدات
غزة، المدينة المحاصرة منذ سنوات، تقف اليوم شاهدة على واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث: إبادة جماعية تُرتكب يوميًا بحق شعبها، على مرأى ومسمع من العالم، في ظل صمت دولي مريب، وتواطؤ سياسي وأخلاقي مفضوح. ليست القضية مجرد حرب أو نزاع، بل عملية ممنهجة لخنق الحياة، وتدمير الكرامة، وإنهاء الوجود الفلسطيني في هذا الجزء من الأرض.
ما يجري في غزة يتجاوز نطاق العمليات العسكرية. نحن أمام مشروع إقصاء وإفناء، هولوكوست دائم يمارس بأساليب متعددة: من التجويع المتعمد، إلى تدمير البنية التحتية، إلى استهداف المستشفيات والمدارس، ومنع دخول الغذاء والدواء. إنها ليست فقط أزمة إنسانية، بل انتهاك سافر لكل القوانين الدولية والمواثيق التي طالما تغنّى بها العالم.
الجرائم تُرتكب علنًا، في وضح النهار، وتُوثّق بالصوت والصورة، ومع ذلك، لا نجد أي تحرك حقيقي لمحاسبة الجناة. في كل يوم يُترك طفل مريض دون علاج، أو تُمنع شاحنة مساعدات من الدخول، تُضاف جريمة جديدة إلى سجل لا ينضب.
التصعيد ضد غزة لم يكن مفاجئًا. فخلال عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حظيت إسرائيل بدعم غير مسبوق، منحها غطاءً سياسيًا ودبلوماسيًا لتنفيذ أجندتها التوسعية. بذرائع دينية ومفاهيم زائفة مثل "الحق الإلهي”، تحولت الأرض الفلسطينية إلى ساحة مفتوحة للغطرسة الإسرائيلية، دون حساب أو رادع.
ذلك الدعم شجع الاحتلال على انتهاج سياسة إبادة ناعمة ولكنها أشد قسوة، تُمارس تحت مظلة قانونية مزيفة، وسط تواطؤ دولي جعل العدوان يبدو وكأنه أمر طبيعي، بل مشروع. كل هذه العوامل ساهمت في تحويل غزة إلى مختبر للعنف والإذلال.
أمام مشهد الدمار في غزة، سقطت ورقة التوت عن المؤسسات الدولية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان. القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، ومواثيق حقوق الإنسان، كلها أصبحت حبرًا على ورق أمام آلة الحرب الإسرائيلية. مجلس الأمن مشلول، تُجهض قراراته بفعل "الفيتو” الأمريكي، والدول الأوروبية تلوذ بالصمت أو تقدم تبريرات مخزية.
إن العالم، بمؤسساته ومنظماته، لم يفشل فقط في حماية المدنيين، بل أصبح شريكًا في الجريمة من خلال عجزه المتعمد، ومواقفه المزدوجة. هذا الانهيار الأخلاقي لم يعد خفيًا، بل بات واضحًا لكل العالم.
السكوت على ما يحدث في غزة لم يعد يُفهم على أنه حياد، بل أصبح تواطؤًا صريحًا. حين تُحاصر مدينة بكاملها، وتُمنع عنها الكهرباء والماء والغذاء، وتُقصف أحياؤها ليلًا ونهارًا، ولا يتحرك العالم، فإن هذا الصمت يُترجم دعمًا للمحتل، لا حيادًا تجاه النزاع.
تجويع السكان وسلبهم حقهم في الحياة هو سلاح من أسلحة الإبادة الجماعية، لا يقل فتكًا عن الصواريخ والقنابل. هذا الواقع يجب أن يُجرَّم دوليًا، ويجب أن تُفرض عقوبات على من يشارك فيه أو يصمت عنه، تمامًا كما حدث في حالات مشابهة من تاريخ البشرية.
وسط هذا المشهد المأساوي، تبرز بعض المواقف التي تعيد شيئًا من الثقة بالضمير الإنساني.
الأردن، قيادةً وشعبًا، لم يتخلَ عن غزة، بل حافظ على موقفه الداعم سياسيًا وإنسانيًا، رغم كل الضغوط. وقدّم المساعدات، واستمر في إيصال الصوت الفلسطيني إلى المحافل الدولية.
كما ظهرت تحركات شعبية وحقوقية في مختلف أنحاء العالم، خرجت في مظاهرات، وعبّرت عن رفضها للغطرسة الإسرائيلية، وللصمت الدولي المخزي. هذه الأصوات، وإن كانت محدودة التأثير حتى الآن، إلا أنها تعبّر عن وجدان إنساني حيّ، لا يزال يقاوم التزييف، ويرفض أن يُغسل الدم الفلسطيني بصمت .
رغم الحصار والدمار، فإن غزة لم تنكسر. بل تحوّلت إلى رمز عالمي للصمود. أطفالها يذهبون إلى المدارس تحت القصف، وشبابها يرممون ما يمكن من البيوت، ونساؤها يصنعن من الحطام حياة. إنها مدينة لا تموت، بل تُقاوم وتُربّي جيلًا لا يعرف الانكسار.
الدماء التي سُفكت في غزة لن تُنسى، والضحايا ليسوا مجرد أرقام، بل أرواح شاهدة على ظلم العالم، وأدلة حية على أن العدالة لا تموت، مهما تأخرت.
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد قضية فلسطينية، بل هو اختبار أخلاقي للعالم بأسره. إما أن ينهض ليحمي الكرامة الإنسانية، أو يبقى شاهد زور على واحدة من أعظم الجرائم في العصر الحديث. غزة، بما تمثله من صمود ومعاناة، تكشف حقيقة النظام العالمي، وتفضح ازدواجية معاييره.
السكوت لم يعد مقبولًا، والاختباء خلف المصطلحات الدبلوماسية لم يعد مجديًا. آن الأوان لموقف حاسم، واضح، ضد الاحتلال، ومع الضحايا. فغزة ليست مجرد مكان، بل قضية أخلاقية وإنسانية لن تزول، حتى يتحقق العدل، وتُحاسب كل يد ساهمت في هذه الجريمة.