د. معن علي
المقابلة
لم تكن
تصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى” الممتدة من
النيل إلى الفرات مفاجِئة للأردنيين، سواء كانوا مسؤولين أو مواطنين. فالفكر
التوسعي للحركة الصهيونية ليس سراً، بل هو ركن أساسي في مشروعها منذ تأسيس الكيان
عام 1948. ولطالما ترددت شعارات من قبيل "أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”
على ألسنة قادتها، حتى غدت جزءاً من خطابهم السياسي المعلن.
لكن السؤال
الذي يفرض نفسه: إذا كان هذا المشروع معروفاً وواضح المعالم منذ عقود، فلماذا لم
تستعد الحكومات الأردنية المتعاقبة للتعامل مع مخاطره بالشكل الكافي؟
عند مراجعة المسار التاريخي للعلاقة مع إسرائيل، نجد أنّ السياسات الرسمية في بعض المراحل لم تسهم في تعزيز قوة الأردن الداخلية، بل على العكس، أضعفت من عناصر صموده. على سبيل المثال، جاء قرار تجميد خدمة العلم (الخدمة العسكرية الإلزامية) في عام 1992 – قبيل توقيع معاهدة وادي عربة بعامين – في وقت كان الأردن لا يزال في حالة عداء معلن مع إسرائيل. وقد اعتبر كثيرون هذه الخطوة إشارة مبكرة إلى أن الخيار الاستراتيجي كان يتجه نحو التسوية، لا المواجهة.
منذ عام 1948
وجد الأردن نفسه في قلب الصراع العربي–الإسرائيلي. فقد ضُمّت الضفة الغربية، بما
فيها القدس، إلى إدارته بعد النكبة، لكنه خسرها في حرب حزيران 1967 رغم بسالة
الجيش الأردني. ثم جاءت معركة الكرامة عام 1968 لتعيد للأردنيين شعوراً بالقدرة
على الصمود، إذ تمكن الجيش بمساندة الفصائل الفلسطينية من صدّ محاولة إسرائيل التوغل
شرقي النهر. غير أن مسار الصراع تغيّر تدريجياً مع اندفاع بعض الأنظمة العربية نحو
التسويات: من كامب ديفيد عام 1978، إلى أوسلو عام 1993، وصولاً إلى معاهدة وادي
عربة عام 1994.
بعد هذه
المعاهدة، لم يقتصر الأمر على تطبيع سياسي، بل تبلور تعاون اقتصادي واستراتيجي
عميق، خاصة في مجالي الطاقة والمياه. أبرز الأمثلة:
اتفاقية الغاز
(2016): التي ربطت قطاع الطاقة الأردني بإمدادات من حقل "ليفياثان” الإسرائيلي.
مشروع "المياه
مقابل الكهرباء” (2021): الذي يقوم على تبادل الطاقة الشمسية بالمياه المحلاة، وإن
لم يُنفذ بعد بشكل كامل.
إضافة إلى
اتفاقيات في مجالات النقل والتجارة والعبور.
هذا الانخراط
العميق أثار تساؤلات عديدة حول مدى وجاهة الرهان على "سلام دائم” مع طرف يعلن
قادته – سواء في الحكم أو في المعارضة – أطماعهم التوسعية، بل ويصرّحون أحياناً
بمشاريع تمسّ الأردن مباشرة.
إن مراجعة هذا
المسار التاريخي تقود إلى استنتاج واضح: الخطر الإسرائيلي على الأردن لم يكن
طارئاً، بل هو خطر وجودي مستمر منذ نشأة الكيان. ورغم ذلك، لم تُبنَ استراتيجية
وطنية شاملة لمواجهته.
اليوم يقف
الأردن أمام خيارين رئيسيين:
الاستمرار في
الارتهان لإسرائيل في ملفات استراتيجية كالماء والطاقة، وهو خيار يوفر حلولاً آنية
لكنه يضع البلد تحت ضغط سياسي واقتصادي متزايد.
إعادة بناء
مقومات القوة الذاتية عبر:
تنويع مصادر
الطاقة والمياه بعيداً عن التبعية.
إعادة النظر
في دور الخدمة العسكرية أو أشكال جديدة من التجنيد الوطني.
تعزيز الجبهة
الداخلية سياسياً واقتصادياً لمواجهة أي تهديد خارجي.
إنّ مواجهة
الخطر الوجودي لا تكون بالتصريحات اللحظية، بل بالتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد،
حتى يظل الأردن قادراً على الدفاع عن نفسه وعن مصالحه الوطنية في مواجهة مشروع
توسعي لم يتوقف منذ أكثر من سبعين عاماً.
ناشط وباحث سياسي/ الاردن
رأي اليوم