شريط الأخبار

الامتنان قوة… والسخط هزيمة

الامتنان قوة… والسخط هزيمة
كرمالكم :  

د. هيفاء ابوغزالة

في عالمٍ يتسارع إيقاعه، أصبحنا نرى أعدادًا متزايدة من الناس رجالًا ونساءً يعيشون حالة من السخط الدائم، وكأن الرضا صار سلعة نادرة. تراهم يحصلون على ما كانوا يتمنونه بالأمس، لكن سرعان ما يفقدون لذّة الإنجاز ويغرقون في النقد والتذمّر، لا يرون في حياتهم إلا النواقص، ولا يشكرون الله على ما أُعطوا. وكأن قلوبهم اعتادت النظر إلى ما ينقصها بدلًا من أن تنعم بما بين أيديها.

هؤلاء الأشخاص لا يدركون أن عدم الامتنان يقتل سعادتهم قبل أن يفسد علاقاتهم. إنهم يعيشون في مقارنة مستمرة مع الآخرين، يقيسون نجاحهم بميزان الغير، ويُسقطون على حياتهم شعورًا دائمًا بالعجز مهما امتلكوا من نعم. فبدلًا من أن تكون نعمهم زادًا للطمأنينة، تتحول إلى وقود لا ينطفئ لنار التذمّر.

الذين لا يعرفون الرضا عن أنفسهم، لن يعرفوا الرضا عن أوطانهم. فالقلب الناقم على ذاته لا يرى جمالًا في وطنه، بل يظلّ أسير النقد والانتقاص. بينما الإنسان الذي يربّي نفسه على الامتنان، يدرك أن للوطن فضلًا يشبه فضل الأم، قد لا يكون كاملًا ولا معصومًا من النواقص، لكنه يظلّ الحضن الذي نحيا فيه، والأرض التي تمنحنا هوية وكرامة. ومن يتقن فنّ الرضا عن نفسه، يرى وطنه بعينٍ عادلة، فيحمد ما تحقق، ويعمل بجدٍ ليُصلح ما تعثر.

عامل مع أولئك الذين لا يرضون عن شيء يحتاج إلى صبرٍ وحكمة؛ فنحن لا نتركهم يغرقون في دائرة السخط، لكننا لا نسمح أيضًا أن يسرقوا منّا صفاء أرواحنا. نذكّرهم بلطف أن الرضا ليس ضعفًا بل قوّة، وأن من يشكر القليل يرى الكثير، ومن يحمد الله على نعمة نفسه ووطنه يعيش أغنى من أصحاب الكنوز. فالوطن الذي يملكه أبناؤه الراضون الشاكرون، أقوى من كل وطنٍ يملكه ساخطون لا يرون إلا العتمة

لكن السؤال الجوهري: كيف نتعامل معهم؟ أول الطريق هو إدراك أن فاقد الرضا لا يمكن أن يمنح الرضا لغيره، لذا علينا ألا نسمح لتذمّرهم أن يسلبنا نحن هدوءنا. نصغي لهم حين يحتاجون، لكن من دون أن نغرق في دوامة شكواهم. يمكن أن نُذكّرهم بلطف أن النعم لا تدوم إن لم يُحسن الإنسان شكرها، وأن الامتنان لله يفتح أبوابًا من البركة والسكينة لا تُفتح بغيره. أحيانًا تكون الكلمة الطيبة، أو لفت الانتباه إلى أبسط الأشياء الجميلة في حياتهم، بداية تغيير في زاوية نظرهم.

أما إن أصرّوا على العيش في دائرة السخط، فلا بد من وضع حدود تحمينا من طاقاتهم السلبية، مع التمسك نحن بثقافة الحمد والشكر. فالتعامل معهم يحتاج إلى مزيج من الصبر والحزم، كي لا يتحول نقدهم المستمر إلى عبء على من حولهم. في النهاية، الرضا قرار داخلي لا يُفرض بالقوة، بل يُزرع بالتربية على الامتنان، وبالتذكير الدائم أن السعادة لا تأتي من كثرة ما نملك، بل من قلوب تعرف كيف تقول: الحمد لله.

مواضيع قد تهمك