بقلم: عدنان البدارين
في الجلسة الافتتاحية لملتقى "مستقبل الإعلام والاتصال" في عمان أعلنت نقابة الصحفيين "متأخرة" عقد من الزمان عن نيتها إعادة النظر في قانونها الحالي داعية إلى ضرورة إصدار تشريع جديد يوسع قاعدة القبول لعضويتها.
بالتأكيد هذا الإعلان لم يأت من فراغ – في ظل عقلية "القلعة" التي تتعامل بها النقابة -، بل هو اعتراف صريح بأزمة حقيقية تهدد مستقبل المهنة بأكملها.
في الآونة الأخيرة أثبتت التجربة العملية أن الشروط الحالية للعضوية التي تشمل "التفرغ التام" و"العمل في مؤسسة إعلامية معترف بها" و"التسجيل في الضمان الاجتماعي" إضافة إلى فترة تدريب طويلة لم تعد تحمي المهنة بل تحولت إلى عوائق تحرم مئات الخريجين الموهوبين والعاملين في الميدان من الانتماء إلى بيتهم المهني، هذه الشروط الصارمة لم تحقق التوازن المنشود بين حماية المهنة وفتح الآفاق للشباب بل أسست لنظام استبعاد يبقي الكثيرين على هامش المهنة التي كرسوا سنوات دراستهم لإتقانها.
أنتج هذا الواقع المرير أزمة موازية خطير حيث يجد الخريجون أنفسهم مضطرين للخضوع لفترات "تدريب" في مؤسسات إعلامية بعضها لا يلتزم بمعايير مهنية أو أخلاقية واضحة، وتحولت هذه الفرص المفترض أن تكون بوابة للتأهيل إلى أدوات للاستغلال حيث تستخدم طاقات الشباب وحماسهم بأقل تكلفة مادية ومعنوية دون أن تمنحهم خبرة حقيقية أو تؤهلهم عمليا للانضمام إلى النقابة، النتيجة هي جيل محبط يشعر بالإقصاء ويخوض معركة البقاء في مهنة يبدو باب الدخول إليها مغلقا.
لاجتياز هذا المأزق تبرز فكرة إنشاء مركز تدريب مهني متطور تحت مظلة نقابة الصحفيين بالشراكة الاستراتيجية مع الجامعات الأردنية التي لديها كليات للإعلام، يهدف هذا المركز إلى سد الفجوة بين المعرفة الأكاديمية ومتطلبات السوق عبر برامج تدريبية مكثفة وعملية، لن تركز هذه البرامج على صقل المهارات الصحفية الأساسية فحسب مثل ورش الكتابة الصحفية السليمة لغويا وأدوات التحقق من المعلومات بل ستتعداها إلى تدريبات على أحدث تقنيات الصحافة الرقمية من تصوير ومونتاج وبث مباشر وتحليل البيانات.
لضمان نجاح هذا النموذج يقترح أن تتحمل الجامعات التكلفة المالية للبرنامج كاستثمار في تحسين مخرجاتها وسمعتها بينما تقدم النقابة الخبرة المهنية والإشراف والبنية التحتية، كما يقترح تحديد مدة التدريب بناء على المؤهل الأكاديمي وعلى سبيل (ستة أشهر للبكالوريوس، تسعة للدبلوم.. وهكذا)، على أن يختتم المتدرب برنامجه بالحصول على شهادة معتمدة من النقابة والجامعة معا، تؤهله مباشرة للعضوية العاملة دون الحاجة إلى تدريب إضافي في مؤسسات أخرى، مما يقطع الطريق على دائرة الاستغلال.
لا يمكن فصل هذا الحل عن حاجة المشهد الإعلامي الأردني إلى إصلاح شامل، فإلى جانب مركز التدريب وإصلاح قانون النقابة هناك حاجة ملحة لإعادة هيكلة القنوات التلفزيونية لتعزيز جودتها ودعم الصحافة الورقية لتواكب العصر الرقمي وتمكين الإعلام الرقمي، كما على النقابة أن تبدي مرونة أكبر عبر مراجعة شروط العضوية الصارمة وابتكار حلول للعاملين لحسابهم الخاص(Freelancers) الذين لا ينطبق عليهم شرط التسجيل في الضمان الاجتماعي وكذلك العاملين في الاعلام الرقمي.
حماية المهنة لا يكون بتنفيذ متطلبات امنية بل هي عملية حيوية تبدأ من داخل الجسم الصحفي وتعتمد على تطوير الكفاءات وتعزيز المعايير المهنية، فالمهنة القوية هي التي تستوعب المبدعين وتتبنى التكنولوجيا وتتصدى للتحديات عبر رفع مستوى الأداء لا عبر إغلاق الأبواب، وبدلا من الانكفاء خلف متطلبات بيروقراطية عفا عليها الزمن يجب أن تركز الجهود على بناء جسور من الثقة والتدريب بين الأجيال المختلفة لضمان أن تبقى المهنة حية ومؤثرة وقادرة على التكيف مع المستقبل فحصنها الحقيقي يكمن في جودتها ومصداقيتها لا في تعقيد إجراءات الانضمام إليها.
إصلاح القانون وإنشاء مركز التدريب
ليسا مجرد خطوات إدارية بل هما مشروع وطني لبناء مستقبل مهني مستدام يمنح الصحفيين
كرامتهم ويجعل الإعلام الأردني صوتا حرا وقويا يسمع في كل مكان، اللحظة مناسبة
والرؤية واضحة ولم يبق سوى تحويلها إلى واقع.