د. خالد الوزني
يعتقد البعض أنَّ الحديث عن موازين القوة في العالم لم يَعُدْ حديثًا عمَّن يسيطر، فعليًّا أو افتراضيًّا، على مصادر الطاقة الأحفورية من نفط وغاز، وأنَّ اقتصاديات تنويع الطاقة، متجددة كانت أم بديلة، فرضت نفسها بشكل كبير. وبالرغم من وجاهة الطرح وأهميته، فإنَّ الخبراء يَرَوْنَ أنَّ الطاقة الأحفورية التقليدية المعروفة ستظلُّ تحدِّد توجُّهات القوى العظمى واهتماماتها عالمياً، وعلى مدى عقود طويلة قادمة.
ولعلَّ تلك القضية هي التي كشفتها بالأرقام إحدى أوراق مؤتمر «تمكين المستقبل: التحوُّل الطاقي وتنويع الاقتصاد في الدول العربية» الذي انعقد الأسبوع الماضي في الكويت، بتنظيم من المعهد العربي للتخطيط، وكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، ومنظمة الأقطار العربية المصدِّرة للبترول (أوابك). وجمع المؤتمر خبراء وصنّاع قرار لمناقشة مستقبل المنطقة في الطاقة في ضوء هذه التحديات.
والمحصلة هنا، أنَّ المنطقة العربية التي تكتنز النصيب الأكبر من النفط والغاز عالميًّا ستبقى تحت أنظار واهتمامات المصالح والصراعات العالمية، بل يمكن القول إنَّ القدرة على استغلال واستثمار تلك المكنونات الطبيعية، ستحدِّد مستوى النُّضج الاقتصادي العربي في درء المخاطر واستحضار المصالح.
وبالرغم من أنَّ الأرقام الصادرة عن المؤسسات الدولية تشير إلى أنَّ الطلب على الوقود الأحفوري سيتراجع تدريجيًّا بعد 2030، فيما تزداد المنافسة على مصادر الطاقة النظيفة والهيدروجين والتقنيات المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة، فإنَّ حقيقة الأمور تقول إنَّ ذلك كله لن يجعل من البدائل النظيفة بأشكالها المختلفة المصدر الرئيس للطاقة على مدى القرن الحالي.
المؤتمر أكَّد أنَّ الدول العربية، سواء المصدِّرة للنفط أو المستوردة له، تواجه معضلة مشتركة؛ فالمصدِّرون أمام ضغوط غير مسبوقة لتقليل الانبعاثات مع استمرار الاعتماد المالي على النفط، في حين يواجه المستوردون فاتورة طاقة متزايدة تستنزف مواردهم المالية.
هذا التلاقي في التحديات يجعل التحوُّل الطاقي ليس خيارًا، بل ضرورة وجودية، خاصة في منطقة هي بين سندان الاعتماد على عوائد مالية كبيرة اعتادت عليها العديد من دولها، ومطرقة التحولات المناخية، ولجوء العديد من الدول إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري بفاتورته البيئية والمالية الضخمة.
لكن المؤتمر أوضح أنَّ هناك خيارًا يكمن في بناء تحالفات عربية للطاقة النظيفة، وتوطين الصناعات الخضراء، واستثمار العوائد النفطية الحالية في اقتصاد ما بعد النفط. وفي السياق ذاته، أوضح الخبراء أنَّ العديد من الدول المُصدرة للنفط في المنطقة، وعلى رأسها السعودية والإمارات، باتت نماذج للتموضع الجديد في مجالات الطاقة المتجددة والبديلة.
وقد ناقش المؤتمر بوضوح دور الدولتين في قيادة مشاريع الهيدروجين الأخضر، والاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح، بما يعزِّز مكانة المنطقة العربية، ليس فقط كمنتجين للنفط، بل كفاعلين رئيسيين في أسواق الطاقة النظيفة.
وختامًا فقد كان أحد أهم محاور المؤتمر الربط بين التحوُّل الطاقي والتقنيات الرقمية، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي والرقمنة. وتشير الدراسات إلى أنَّ التطورات التقنية الذكية لم تَعُدْ مجرَّد أدوات لتحسين الكفاءة، بل تمثِّل أساسًا لإعادة هيكلة أسواق العمل وسلاسل القيمة، وهذا يعزِّز ما قلته في مقال سابق بأنَّ التكنولوجيا أصبحت «السلاح الجديد» في لعبة الطاقة العالمية.
khwazani@gmail.com
* أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة - كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
د. خالد الوزني
يعتقد البعض أنَّ الحديث عن موازين القوة في العالم لم يَعُدْ حديثًا عمَّن يسيطر، فعليًّا أو افتراضيًّا، على مصادر الطاقة الأحفورية من نفط وغاز، وأنَّ اقتصاديات تنويع الطاقة، متجددة كانت أم بديلة، فرضت نفسها بشكل كبير. وبالرغم من وجاهة الطرح وأهميته، فإنَّ الخبراء يَرَوْنَ أنَّ الطاقة الأحفورية التقليدية المعروفة ستظلُّ تحدِّد توجُّهات القوى العظمى واهتماماتها عالمياً، وعلى مدى عقود طويلة قادمة.
ولعلَّ تلك القضية هي التي كشفتها بالأرقام إحدى أوراق مؤتمر «تمكين المستقبل: التحوُّل الطاقي وتنويع الاقتصاد في الدول العربية» الذي انعقد الأسبوع الماضي في الكويت، بتنظيم من المعهد العربي للتخطيط، وكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، ومنظمة الأقطار العربية المصدِّرة للبترول (أوابك). وجمع المؤتمر خبراء وصنّاع قرار لمناقشة مستقبل المنطقة في الطاقة في ضوء هذه التحديات.
والمحصلة هنا، أنَّ المنطقة العربية التي تكتنز النصيب الأكبر من النفط والغاز عالميًّا ستبقى تحت أنظار واهتمامات المصالح والصراعات العالمية، بل يمكن القول إنَّ القدرة على استغلال واستثمار تلك المكنونات الطبيعية، ستحدِّد مستوى النُّضج الاقتصادي العربي في درء المخاطر واستحضار المصالح.
وبالرغم من أنَّ الأرقام الصادرة عن المؤسسات الدولية تشير إلى أنَّ الطلب على الوقود الأحفوري سيتراجع تدريجيًّا بعد 2030، فيما تزداد المنافسة على مصادر الطاقة النظيفة والهيدروجين والتقنيات المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة، فإنَّ حقيقة الأمور تقول إنَّ ذلك كله لن يجعل من البدائل النظيفة بأشكالها المختلفة المصدر الرئيس للطاقة على مدى القرن الحالي.
المؤتمر أكَّد أنَّ الدول العربية، سواء المصدِّرة للنفط أو المستوردة له، تواجه معضلة مشتركة؛ فالمصدِّرون أمام ضغوط غير مسبوقة لتقليل الانبعاثات مع استمرار الاعتماد المالي على النفط، في حين يواجه المستوردون فاتورة طاقة متزايدة تستنزف مواردهم المالية.
هذا التلاقي في التحديات يجعل التحوُّل الطاقي ليس خيارًا، بل ضرورة وجودية، خاصة في منطقة هي بين سندان الاعتماد على عوائد مالية كبيرة اعتادت عليها العديد من دولها، ومطرقة التحولات المناخية، ولجوء العديد من الدول إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري بفاتورته البيئية والمالية الضخمة.
لكن المؤتمر أوضح أنَّ هناك خيارًا يكمن في بناء تحالفات عربية للطاقة النظيفة، وتوطين الصناعات الخضراء، واستثمار العوائد النفطية الحالية في اقتصاد ما بعد النفط. وفي السياق ذاته، أوضح الخبراء أنَّ العديد من الدول المُصدرة للنفط في المنطقة، وعلى رأسها السعودية والإمارات، باتت نماذج للتموضع الجديد في مجالات الطاقة المتجددة والبديلة.
وقد ناقش المؤتمر بوضوح دور الدولتين في قيادة مشاريع الهيدروجين الأخضر، والاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح، بما يعزِّز مكانة المنطقة العربية، ليس فقط كمنتجين للنفط، بل كفاعلين رئيسيين في أسواق الطاقة النظيفة.
وختامًا فقد كان أحد أهم محاور المؤتمر الربط بين التحوُّل الطاقي والتقنيات الرقمية، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي والرقمنة. وتشير الدراسات إلى أنَّ التطورات التقنية الذكية لم تَعُدْ مجرَّد أدوات لتحسين الكفاءة، بل تمثِّل أساسًا لإعادة هيكلة أسواق العمل وسلاسل القيمة، وهذا يعزِّز ما قلته في مقال سابق بأنَّ التكنولوجيا أصبحت «السلاح الجديد» في لعبة الطاقة العالمية.
khwazani@gmail.com
* أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة - كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية