وادي الأردن- تُضاف فاجعة وفاة ثلاثة أطفال أشقاء تتراوح أعمارهم بين الثالثة والسابعة غرقا في قناة الملك عبد الله بمنطقة دير علا قبل أيام، إلى سجل طويل ومؤلم من الحوادث المماثلة تشهدها العديد من القنوات المائية المائية والبرك الزراعية.
الفاجعة تثير تساؤلات حول تحول تلك
القناة من شريان حياة إلى حاصدة للأرواح، لا سيما أن الأمر يتجاوز الحادثة الفردية
ليصبح قضية تتكرر بين الفترة والأخرى وسط تساؤلات حول مدى الجدية في تطبيق معايير
السلامة العامة وإيجاد حلول جذرية ودائمة.
فقناة الملك عبد الله التي تعد أحد أهم
المشاريع الحيوية التي دشنت في وادي الأردن بهدف توفير مياه الري الزراعية تحولت
على مر السنين، خصوصا الأجزاء القريبة من التجمعات السكانية، إلى بؤرة للحوادث،
حيث تجاوز عدد ضحاياها منذ إنشائها مئات الأشخاص، معظمهم من الأطفال.
وبحسب أحد ذوي الضحايا، فإن أصغر
الأطفال انزلقت قدمه من على حافة القناة ليسقط في المياه، ما دفع أخاه البالغ من
العمر سبع سنوات وأخته البالغة خمس سنوات للنزول إلى المياه لإنقاذه، إلا أن القدر
لم يمهلهم.
وأضاف "بدأ الأهالي بالبحث لنحو
ساعتين بالاتجاه المعاكس للقناة في المنطقة الجبلية، مستبعدين أن يكون الأطفال قد
ذهبوا باتجاه القناة، إلا أنهم وبعد أن باءت جهودهم بالفشل تفطنوا فاتجهوا نحو
القناة للبحث عنهم ليجدوهم طافين على سطح المياه".
وتابع "كانت العائلة سابقاً تسكن
بالقرب من سد الكرامة، إلا أن الجهات المعنية قامت بترحيلهم عقب حدوث حالة غرق
أطفال، ما اضطرهم للبحث عن مكان آخر لبناء خيمتهم"، موضحاً أن القدر ساقهم
آنذاك إلى مكان قريب من قناة الملك عبد الله ليحطوا رحالهم، كون معظم المناطق
زراعية أو مأهولة.
كما أشار إلى أن جميع الضحايا ولدوا في
المنطقة، وأن الأهالي يعون خطورة القناة ودائماً ما يحذرون أبناءهم من الاقتراب
منها، لافتا إلى أن عدم وجود سياج سمح للأطفال بالوصول إليها.
"الحلول المؤقتة غير كافية"
وبحسب مصدر أمني، فإن فرق الغطس
المتخصصة التابعة لمديرية الدفاع المدني سارعت إلى الموقع فور تبلغها بالحادثة،
وقد تمكنت من انتشال الأطفال، لكنهم كانوا قد فارقوا الحياة، مؤكدا أنه تم فتح
تحقيق رسمي للوقوف على ملابسات الحادثة وتحديد المسؤوليات.
ويؤكد عدد من الأهالي "أن حادثة
غرق الأطفال في قناة الملك عبد الله ليست مجرد خبر عابر، بل هي جرس إنذار يصم
الآذان ويؤكد أن الحلول المؤقتة لم تعد كافية"، مشددين على "ضرورة
القيام بتحرك فوري من قبل الحكومة والجهات المعنية قبل أن يستيقظوا على فاجعة
جديدة".
وبهذا الخصوص، يتساءل الناشط الاجتماعي
فايز الرقيدي عن الأسباب الجذرية التي تسمح بتكرار هذه الحوادث المأساوية رغم مضي
ما يزيد على سبعة عقود على إنشاء القناة ورغم الحصيلة الكبيرة للضحايا، مؤكدا
"أن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الجهة المسؤولة عن إدارة القناة
وصيانتها، والتي يتوجب عليها اتخاذ إجراءات صارمة لضمان سلامة المناطق المجاورة
للسكن".
ويوضح أن قناة الملك عبد الله تمر
بمحاذاة القرى والمناطق السكنية في الأغوار، ما يجعلها جاذبة للأطفال كمصدر للعب
أو السباحة هرباً من ارتفاع درجات الحرارة، وتحديدا في فصل الصيف، ناهيك عن جهل
الأطفال بخطورة الاقتراب منها، مضيفاً أن تصميم القناة يجعل الخروج منها صعبا جدا
بمجرد السقوط، فلا توجد وسائل تسلق، إضافة إلى أن عمق القناة وشدة تدفق المياه
فيها يجعل الغرق أمراً سريعاً ونتيجة شبه مؤكدة.
ويرى الرقيدي أن هذه الفاجعة الأليمة
التي تتكرر بشكل شبه سنوي تفتح الباب واسعاً أمام قضية يجب معالجتها بشكل جذري
تتعلق بالسلامة العامة، مطالباً بـ"تسييج" مقاطع القناة القريبة من
التجمعات السكانية بشكل كامل وفعال، مع وضع لوحات تحذيرية واضحة وكافية، وضرورة
وجود خطة استجابة دائمة وإجراءات وقائية روتينية لا تقتصر على رد الفعل بعد وقوع
الكارثة.
أهمية الرقابة الأسرية
ويشاركه الرأي الناشط في مجال الطفولة
والمرأة أمجد العدوان قائلاً "رغم الأوضاع المعيشية الصعبة لأهالي وادي
الأردن، إلا أن الحادثة تثير تساؤلات حول مستوى الرقابة الأسرية، وضرورة التوعية
المستمرة بخطورة الاقتراب من القناة"، مضيفا "إن الحادثة تبين مدى
الحاجة إلى حملات توعية مجتمعية مكثفة ومستمرة بالتعاون بين المدارس والمساجد
والبلديات لتثقيف الأطفال والأهالي حول مخاطر الغرق."
ويبين أن المسؤولية مشتركة بين كافة
الجهات المعنية، إذ إن قيام البعض بسرقة الأسلاك الشائكة وبيعها كخردة يتطلب
إجراءات حازمة وتغليظ العقوبات على أي تقصير في تطبيق إجراءات السلامة العامة
المتعلقة بالمنشآت المائية الحيوية، لافتا إلى أن غياب المرافق الترفيهية الآمنة
والمسابح العامة في مناطق الأغوار ذات درجات الحرارة المرتفعة أحد أهم أسباب توافد
الأطفال على القناة والغرق فيها، ما يتطلب توفير مرافق آمنة كالمسابح والملاعب
والمراكز الشبابية المجهزة تلبي احتياجات الأطفال وتجذبهم بعيداً عن القناة.
ويلفت العدوان إلى أهمية المسؤولية
الوالدية في مثل هذه القضايا، إذ إن الإهمال في الرقابة والمتابعة عادة ما تكون
عواقبه وخيمة، مشيرا إلى أن ترك الأطفال، خصوصا صغار السن منهم دون رقابة مباشرة
أو على مقربة من القناة يعتبر تقصيراً في واجب الرعاية والإشراف.
ويؤكد كذلك المسؤولية التي تقع على
عاتق الجهات المعنية، معتبرا "أن السماح للأسر بالإقامة على جوانب القناة يعد
تقصيرا واضحا من الجهة المعنية"، في حين شدد على ضرورة اتخاذ إجراءات الأمان
الكافية لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث المفجعة.
من جانبها، أكدت سلطة وادي الأردن أنها تقوم وبشكل مستمر باتخاذ العديد من الإجراءات اللازمة للحد من حوادث الغرق كوضع الأسياج (الأشياك) والإشارات التحذيرية والإرشادية على طول القناة والمواقع المائية الخطرة، وتنفيذ حملات توعية سنوية بالتعاون مع جهات مختلفة لزيادة الوعي بمخاطر السباحة في المصادر المائية، لا سيما أن القناة مخصصة لنقل المياه وليست مكانا للسباحة أو التنزه.