شريط الأخبار

الشرايين الخفية للإنترنت: كيف تحكم كابلات البحار تدفُّق البيانات حول العالم؟

الشرايين الخفية للإنترنت: كيف تحكم كابلات البحار تدفُّق البيانات حول العالم؟
كرمالكم :  

إعداد: سمر ضو

 تعد شبكة الكابلات البحرية العمود الفقري للإنترنت العالمي، إذ تنقل حوالي 95% من حركة البيانات بين القارات، وتدعم معاملات مالية تقدر بـ10 تريليونات دولار يوميًا.

هذه الكابلات، التي تمتد عبر ملايين الكيلومترات في قاع البحر، تُعدّ الشريان الحيوي للاقتصاد الرقمي العالمي، على الرغم من افتقارها للحماية الكافية.  ويعتبر دورها الأساسي هو نقل البيانات، مثل رسائل البريد الإلكتروني، المكالمات عبر الإنترنت، والبث المباشر.

أما اقتصاديا فهي تدعم معاملات مالية تُقدّر بما يصل إلى 10 تريليونات دولار أمريكي يوميًا، وتمتد عبر أكثر من 1.5 مليون كيلومتر في قاع البحار، لتشكل شبكة هائلة من البيانات تحت سطح المحيط. وقد صممت من ألياف ضوئية دقيقة محاطة بطبقات حماية من البلاستيك والنحاس والفولاذ.

هناك حوالي 570 نظام كابل بحري نشط حالياً.

هناك نحو 600 كابل بحري (نشطة ومخطط لها) حول العالم.

طول الكابلات البحرية يصل إلى نحو 1.5 مليون كيلومتر 

هذه الكابلات تنقل ما يقرب من 95% من حركة البيانات بين القارات (الإنترنت الدولي تقريبًا).

يعود تاريخ الكابلات البحرية إلى عام 1850 حين جرى مدّ أول كابل عبر القنال الإنجليزي ليربط بين بريطانيا وفرنسا. ومع مرور الزمن، تطوّرت هذه التقنية من أسلاك النحاس البدائية إلى الألياف البصرية التي ترتكز عليها اليوم البنية التحتية للإنترنت العالمي.

ونقل تقرير نشره موقع CNBC عن بول غابلا، مدير المبيعات في شركة Alcatel Submarine Networks، قوله إن نحو نصف السوق باتت تهيمن عليه شركات التكنولوجيا الكبرى مثل ميتا وغوغل وأمازون، مدفوعةً بطفرة الذكاء الاصطناعي والنمو المتسارع لمراكز البيانات.

 ووفقاً لتقديرات شركةTeleGeography، فمن المتوقع أن تبلغ الاستثمارات في مشاريع الكابلات البحرية الجديدة نحو 13 مليار دولار بين عامي 2025 و2027، أي ما يعادل ضعف الاستثمارات المسجلة في السنوات الثلاث السابقة.

وتعتبر هذه الكابلات بنية تحتية حرجة وحساسة، ورغم التطور الهائل في الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، إلا أن الكابلات البحرية لا تزال توفر سرعة وموثوقية وقدرة نقل بيانات (عرض نطاق ترددي) تفوق بكثير ما تقدمه الأقمار الصناعية، مما يجعلها الخيار الأفضل لنقل البيانات الحساسة وعالية القيمة.

وتسابق شركات التكنولوجيا الزمن نحو أعماق البحار لتأمين شبكة الإنترنت العالمية. فقد أعلنت ميتا عن مشروع Waterworth، الذي يُعد أطول كابل بحري في العالم بطول 50 ألف كيلومتر ويربط خمس قارات. من جهتها، أطلقت أمازون مشروعFastnet الذي يربط الساحل الأمريكي الشرقي بمدينة كورك الأيرلندية بسرعة تتجاوز 320 تيرابت في الثانية. أما غوغل، فقد استثمرت في أكثر من 30 كابلًا بحريًا، أبرزها مشروعSol الذي يربط الولايات المتحدة بأوروبا، فيما ضخت مايكروسوفت استثمارات ضخمة لتعزيز شبكاتها تحت الماء.

 فالتحكم في هذه الكابلات يمنح قدرة استراتيجية كبيرة، فمن يسيطر عليها يمكن أن يؤثر على تدفق البيانات العالمي.  لذا يتزايد الخوف من تعرضها لأي ضرر أو تلف من غير قصد من طريق سفن الشحن أو الحيوانات البحرية الكبيرة كالحيتان، أو عن قصد من طريق هجمات متعمدة لإتلافها مع ما يتسبب ذلك من انقطاع ارتباط شرق الكرة الأرضية بغربها، وما يعنيه ذلك من شلل اقتصادي في أعمال الشركات والمصارف والأسواق المالية.

 وإذا نظرنا إلى خريطة انتشار الكابلات البحرية، يمكننا حينئذ أن ندرك جيدا أهميتها، فهي تربط القاصي بالداني، وعند حدوث أي تلف فيها، تتعطل حركة نقل البيانات والاتصالات، لتتعطل بالتالي معها حركة الإمداد ونظام الملاحة وما ينجم عن ذلك من أزمات اقتصادية وأمنية.

ولكل كابل من هذه الكابلات أهمية تختلف باختلاف أماكن وجودها، حيث حرصت شركات الاتصالات على استحداث طريق بديل على الدوام في حال تضرر أي كابل إنترنت لنقل البيانات. إلا أن الواقع ليس مماثلا دائما، فهناك كابلات إنترنت ليس لها بديل ولها أهمية كبيرة نظرا إلى موقعها الاستراتيجي، لذا، يقف العالم حائرا مشلولا عند تعرضها لأي تلف، إلى حين صيانتها.

 وقد يظن الكثيرون أن خدمة الإنترنت اللاسلكي، المعروفة بالـ"واي فاي" (WI-FI) تأتي من طريق الأقمار الاصطناعية أو من طريق الحوسبة السحابية (Cloud Computing)، لكن المفارقة أن خدمات الإنترنت تزودها الكابلات البحرية. وقد اتجهت شركات الاتصالات الكبرى وعمالقة التكنولوجيا مثل "أمازون" و"غوغل" إلى مد كابلات بحرية خاصة بها لتتمكن من تزويد عملائها الخدمة دون انقطاع

 وحاليا، ومع تطور التكنولوجيا، يتم وضع هذه الكابلات بواسطة سفن مخصصة لهذا الغرض تسمى "السفن الممددة للكابلات" (Cable Layers Ships).  تحمل هذه السفن على سطحها آلاف الأميال من الكابلات المخصصة لنقل البيانات بسرعة فائقة، وتضع الكابلات في مسارات آمنة بعيدا من مسارات سفن الصيد أو مواقع سقوط مراسي السفن أو أي أخطار محتملة من شأنها الإضرار بسلامة الكابلات. ثم يغوص الفنيون إلى أماكن سقوط الكابلات في البحر للتأكد من وجودها في المكان السليم. ويقدر امتداد شبكة الكابلات البحرية حاليا بنحو 800 ألف ميل بحري، أي ما يفوق ثلاثة أضعاف المسافة بين كوكب الأرض والقمر.

وحول الحديث عن اعتماد الأقمار الاصطناعية كبديل للكابلات، يعتقد ان توصيل الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية فكرة واعدة ذات ميزات عديدة، منها تمكين ملايين المستخدمين في المناطق النائية من استقبال خدمات الإنترنت. مثل هذه الخدمات تقدمها شركة "سبيس أكس" والتي تقوم فكرتها على بيع أجهزة لاستقبال الإنترنت من أقمار اصطناعية أطلقتها الشركة، وتدور في مسارات خاصة لتتيح خدماتها للعديد من المستخدمين غير القادرين على استخدام الإنترنت نظرا إلى عدم وجود أبراج لاسلكي في مناطق قريبة منهم. إلا أن هناك عوائق تحول دون تعويض الأقمار الاصطناعية للكابلات البحرية.

 وعليه، تعتبر الكابلات البحرية، في أهميتها، مثل أنابيب النفط والغاز، فإذا ما تعرضت إلى عطب ما، وصل تأثير هذا العطب إلى العديد من الدول. لفهم النتائج السلبية المترتبة على انقطاع هذه الكابلات، لا بد من أن نعرف أعدادها وأحجامها ومواقعها، حيث قامت شركة استشارات الاتصالات الأميركية "تيليجيوغرافي" (TeleGeography) بوضع خريطة تفاعلية لكل الكابلات الممدودة في كل أنحاء العالم، حيث يوجد 420 كابلا منتشرة في العالم، أطولها هو كابل (SEA-ME-WE 3) الذي يربط جنوب شرق آسيا مع غرب أوروبا عبر البحر الأحمر ويبلغ طوله نحو 39 ألف كيلومتر. في وقت يجري بناء أطول كابل بحري بمسافة 45 ألف كيلومتر ليربط نحو 33 دولة في ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويسمى "أفريكا 2". 

وفي السابع من حزيران 2022، تعرض كابل رئيسي يصل آسيا بأفريقيا وأوروبا، يعرف بـThe Asia-Africa-Europe-1" (AAE1 للقطع، مما أثر على حركة الإنترنت في سبع دول حول العالم. حيث يربط هذا الكابل هونغ كونغ بفرنسا ويبلغ طوله 15500 ميل بحري، ويمر بمصر من طريق قناة السويس. وعلى الرغم من أن انقطاع الإنترنت لم يدم طويلا، لكن هذه الحادثة أعادت إلى الواجهة الاهتمام بمشكلة قطع الكابلات وأثرها على العالم

   وبحسب شبكة لجزيرة، وقع في السادس من آب 2023، انهيار أرضي تحت سطح البحر في وادي الكونغو الواقع عند مصب نهر الكونغو الفاصل بين أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فأدى لتدمير اثنين من أهم الأسلاك البحرية التي تقدم خدمة الإنترنت لقارة أفريقيا.

    ويبقى السؤال هل تعوض الأقمار الصناعية المستقبلية عن حجم الاتصالات التي تنقلها الكابلات البحرية؟ خاصة وان الأقمار الصناعية تتطلب عملا كثيرا وإنفاقا كبيرا طوال الوقت، كما أنها تكلف أكثر في حالة حركة البيانات ذات الحجم الكبير، وهي عرضة للتلف بسبب التوهجات الشمسية. وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة "ستارلينك” في شباط 2022 عن سقوط أكثر من 40 قمرا صناعيا من مدارها في الفضاء إلى الأرض، وذلك بعد 5 أيام فقط من إطلاقها، بسبب عاصفة جيومغناطيسية قوية ارتبطت بانفجار هائل على سطح الشمس.

ولهذا السبب يرى الخبراء أن الإنترنت الفضائي وذلك القادم من الأسلاك البحرية سيعملان جنبا إلى جنب وباختصاصات متمايزة، مع ميل الكفة الأساسية ناحية أسلاك الاتصالات التي تجري أسفل البحار والمحيطات.

الكابلات البحرية التي تربط دول أفريقيا ببعضها وبخارجها

 المصادر:

1- Dual Subsea Cable Cuts Disrupt African Internet

https://www.kentik.com/blog/dual-subsea-cable-cuts-disrupt-african-internet/

2- Submarine Cable History

https://www.submarinecablesystems.com/history

3- At the bottom of the sea: a short history of submarine cables

https://blog.apnic.net/2020/02/12/at-the-bottom-of-the-sea-a-short-history-of-submarine-cables/

كابلات الأعماق.. الشرايين الخفية للإنترنت في زمن الذكاء الاصطناعي

https://al-ain.com/article/big-tech-ai-underwater-cables?utm_source=chatgpt.com

الإنترنت البحري.. أسلاك تتحكم بالإنترنت العالمي

 https://doc.aljazeera.net/science/2024/4/3


مواضيع قد تهمك