مهنا نافع
تيسير سبل الزواج لا يعني أبدا التساهل (بالاستطاعة) إنما يكون بالعمل على تحقيقها، ودون ذلك نكون قد وقعنا بالوهم التي تخدعنا به الأرقام فتجعلنا نظن أننا حللنا مشكلا اجتماعيا، ولكن بالحقيقة تم إحداث مشكل أو مشكلات جديدة أخرى، وهذا ما لا نريده، لذلك علينا ألا نألو جهدا لتجنب الوقوع بهذا الوهم والدفع نحو رفع قدرات الشباب للوصول للاستطاعة لا التقليل من قدرها أو التسويف لمعرفة صحة أركانها لاحقا بعد فوات الأوان.
لطالما وصلت لمسامعنا الدعوات الموجهة لأولياء الأمور وكريماتهم التي تحثهم على التيسير لقبول الحد الأدنى من متطلبات الزواج، وكثيرا ما كانت هذه الدعوات تبدأ بذكر غلاء المهور والحث على عدم المبالغة بها كونها أول ما يذكر لطارق باب مسكن أهل الفتاة المتقدم لخطبتها، ليتم التركيز بعد ذلك على تجاوز الكثير من العادات المكلفة التي تستنزف أو تفوق قدرات وامكانات شبابنا اليوم ولتختم غالبا هذه الدعوات الحميدة بهذا القدر ولكن دون الإسهاب بالتفاصيل المعيشية لهم بعد زواجهم، وبالفعل لوحظ بالآونة الأخيرة تجاوب مع تلك الدعوات، لتتم خطوات ما قبل ليلة الزفاف بالحد الأدنى المقبول أو المقدور عليه، ولكن هل نحن كمهتمين بشأن الشباب سنكتفي بالحث على التيسير ثم لا نلتفت لما ستؤول إليه أحوال العديد من هذه الأسر الفتية بعد ذلك؟
لدينا ثلاثة عناصر لا بد من الإحاطة بها تختص بالشاب إن توافرت فستعمل على التفاؤل لنجاحه للوصول لمسعاه لبناء أسرته بعد ارتباطه بالشريكة المناسبة التي يتوسم بها كل الخير، أول هذه العناصر هي المؤهلات والقدرات العقلية والبدنية للشاب، والتي نقصد بها القدرة على تحمل المسؤولية والوعي التام بهذا الرباط والواجبات المنوطة به، وثانيهما توفر مصدر الدخل المناسب لهذا الشاب الذي سيمكنه من إعالة أسرته القادمة، وأخيرا توفر المسكن الذي سيحتضن هذه الأسرة التي تعتبر اللبنة الأساسية الأولى من بناء المجتمع.
إن الإخفاق لتحقيق هذه العناصر الثلاث الذي يدركها الجميع والتي حين طرحها يتم بتر الكثير من تفاصيلها يتناسب طرديا مع الزيادة المطردة بنسبة العنوسة من جهة وبنسبة الطلاق من جهة أخرى، وبالتالي وقوع مجموعة من المتتاليات ذات الانعكاسات السيئة على المجتمع، فغالبا ما يتكتم على بداية الخلافات وما تلبث إلا أن تخرج للعلن لتقحم الأهالي بآتون الشقاق والنزاع الذي قد يدفع البعض نحو ارتكاب الجنح أو الجرائم، ومن هنا يعتبر الإعداد والتأهيل التربوي الذي نحمل جزءا من مسؤولية نجاحه على الأسرة والمؤسسة التعليمية، فهما العاملين الرئيسين لاكتمال النسبة الجيدة من مقومات هذا العنصر الأول ولكنا لن نغفل عن الجزء المتعلق بخيارات الشاب وسعيه لرفع مستوى اداركه العام وفهمه الخاص بالشؤون المعيشية.
أما العنصر الثاني فلا يمكن إلا أن نرمي الكرة باتجاه الحكومة لتحقيقه، فمن واجباتها السعي بكل قدراتها لمحاربة البطالة، بداية من خلال التحكم بمخرجات التعليم الجامعي، وتشجيع التعليم والتأهيل المهني بإلحاق كلياته داخل ساحات الجامعات، والحد من تغول العمالة الوافدة على أغلب المهن من خلال البرامج الاحلالية التي يتابع مستوى ما أنجز منها دوريا على الإعلام بكل شفافية ووضوح، وتشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي بطريقة ربط الامتيازات الممنوحة له بعدد ما يوظفه من الشباب الأردني، وأخيرا طرح المشاريع التنموية الكبرى طويلة التنفيذ التي ستعود بالفائدة على دوران العجلة الاقتصادية، ومن ثم يتوج كل ذلك بتحقيق الأمن الوظيفي من خلال النظم والتشريعات.
أما العنصر الثالث فهو تأمين السبل التي ستعمل على خفض بدل ايجارت الشقق، والذي يمكن أن يتحقق إما بزيادة العرض لهذه الشقق من خلال إنشاء مشاريع اسكانات ذوي الدخل المحدود بالشراكة بين القطاع الخاص والعام الذي ينتهي دوره بتقديم الأراضي وإعداد البنية التحتية لها ومن ثم تقديمها دون مقابل لشركات الإسكان المتخصصة ببناء الإسكانات، ليتم الاتفاق معها على آلية وأسعار امتلاكها، على أن يتم ذلك مع أكثر من شركة لضمان المنافسة لتحقيق الجودة وليس بوضع المواطن أمام خيار واحد، وعلى الجانب الآخر بما يخص قطاع الإسكان لذوي الدخل المتوسط فلا بد من تقديم كامل الإعفاءات الضريبية للمستثمرين العقاريين وإعفاء كل ما يتعلق ببناء العقار من الضرائب والرسوم، والبدء بإجراءات تعمل على خفض أسعار الأراضي بإيجاد مناطق منظمة تعمل على زيادة العرض وبالتالي، خفض أسعارها بنسبة مجزية.
إن قوام الأسرة لن يكتمل إن نقص أي من العناصر السابقة، فهي الطريق الرتيب لتحقيق الاستطاعة لابناءنا الشباب، فهم أمانة بأعناقنا، وهم الذخر للوطن أصحاب الطاقات التي لن تنضب التي ستذلل كل الصعوبات وستتجاوز كل التحديات، فلنكن عونا لهم.



