عوني الداوود
في تحليلاتنا الاقتصادية، وتحديدًا منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كثيرًا ما نبرّر تراجع كثير من القطاعات الاقتصادية إلى «المزاج العام»، جرّاء حرب الإبادة في غزة والمستمرة حتى اليوم 395 على التوالي، والممتدة إلى لبنان الشقيق، إضافة إلى مبررات حالة «عدم اليقين» التي تسود الإقليم، والقلق من امتداد الحرب، خصوصًا جرّاء تبادل هجمات الفعل وردّ الفعل ما بين إسرائيل وإيران. وسط هذا المشهد المضطرب والتصعيد المتواصل، وانعكاساته على الاقتصاد الوطني، نقرأ بالأمس تقريرًا مهمًّا صادرًا عن «دائرة مراقبة الشركات» في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، يؤكد أن عدد الشركات المسجلة قد ارتفع خلال عشرة أشهر من العام الحالي 2024، بنسبة 6%، مقارنة مع 2023، ليبلغ عددها 5331 شركة، مقارنة مع 5045 العام الماضي.
وكمحللين اقتصاديين نتساءل: أين «المزاج العام» من هذه الأرقام؟ وكيف ارتفع عدد الشركات المسجّلة؟ وماذا يعني ارتفاع عدد الشركات المسجلة منذ بداية العام الحالي 2024 وخلال 10 أشهر؟ وعلى الرغم من استمرار التحديات الإقليمية؟
تقرير مراقبة الشركات يستحق القراءة والتحليل من عدة جوانب، ومنها النقاط التالية:
1. زيادة عدد الشركات المسجلة بنسبة 6% عن العام الماضي - ورغم كل التحديات - هو مؤشر «ثقة» من قبل المستثمرين بإنشاء شركات جديدة في الأردن والاقتصاد الأردني.
2. تأكيد على منعة وقوة واستقرار الاقتصاد الأردني، وكل ذلك شهدت به تقارير منظمات وجهات اقتصادية عالمية وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وشهد به رفع التصنيف الائتماني للاقتصاد الأردني للمرة الأولى منذ 21 عامًا من قبل كبريات وكالات التصنيف الائتماني في العالم وفي مقدمتها: «فيتش» و»ستاندرد أند بورز».
3. تقرير «مراقبة الشركات» يتماشى مع نتائج الجولة الثانية عشرة من مسح ثقة المستثمرين في الأردن، والذي أصدره مؤخرًا منتدى الاستراتيجيات الأردني للفترة ما بين أيلول 2023 وأيلول 2024، والذي أظهر تفاؤلًا ملحوظًا لدى المستثمرين رغم التحديات الاقتصادية.
4. رغم أن تقرير دائرة مراقبة الشركات أظهر أن الشركات ذات المسؤولية المحدودة كانت أعلى الشركات تسجيلًا، حيث بلغت 3902 شركة، وبنسبة 72.2% من الشركات المسجلة، وبرؤوس أموال تزيد على 83 مليون دينار، إلاّ أن ذلك يعني أيضًا إقبال الأفراد على تسجيل شركات تشكل فرصًا استثمارية محدودة بمشاريع صغيرة أو متوسطة وتخلق فرص عمل ولو كانت محدودة، بدلًا من انتظار فرص عمل قد تتأخر وقد لا تأتي.
5. زيادة عدد الشركات المسجلة بالعموم يعني توسع الاستثمار في قطاعات متعددة وخلق فرص عمل وفتح مجالات تمويل مشاريع للقطاع المصرفي.
6. تقرير مراقبة الشركات أظهر انخفاضًا في عدد الشركات التي تم فسخ أو شطب تسجيلها بنسبة 29% عن العام 2023، حيث بلغ 1487 شركة، مقارنة مع 2109 شركات العام الماضي.. والأرقام خير شاهد.. وهي ردّ مباشر على من يتحدثون غالبًا عن خروج شركات من السوق المحلية، متناسين أن هذا أمر طبيعي في مختلف الأسواق والاقتصادات، فهناك من يخرج لأسباب متعددة، وهناك دائمًا جدد يدخلون إلى السوق، وهم يشكلون العدد الأكبر، وهذا هو الأهمّ.
7. مجموع رؤوس الأموال المسجلة في ذات الفترة (العشرة أشهر الأولى) ما يزيد على 170 مليون دينار، فيما ارتفع معدل محصلة زيادة رؤوس الأموال بنسبة 32% عن نفس الفترة من 2023، وبقيمة 356,433,465 مليون دينار، مقارنة مع 269,148,439 مليون دينار، حيث رفعت 849 شركة رؤوس أموالها في الفترة ذاتها، وبقيمة 440,887,413 مليون دينار، فيما خفضت 211 شركة رؤوس أموالها، بقيمة 84,453,948 مليون دينار.. وكل هذه الأرقام تشرح نفسها وتفسر حالة الثقة واليقين والتفاؤل بالوضع الاقتصادي في الأردن، رغم كل الظروف والتحديات الإقليمية.. فخلال هذه الفترة كثير من الشركات حافظت على أعمالها، وأخرى قامت بتوسيع أعمالها من خلال رفع رؤوس أموالها، وفي المقابل هناك من خفّضت رؤوس أموالها لأسباب مختلفة، ولكنها تبقى الأقلّ جدًا مقارنة بمن رفعت رؤوس أموالها.
*باختصار: ارتفاع عدد الشركات المسجّلة في ظل الظروف الصعبة مؤشر إيجابي جدًا، يؤكد الثقة بالاقتصاد الوطني، ويساهم بخلق فرص عمل جديدة، ويساهم بتنشيط عجلة الاقتصاد لقطاعات اقتصادية متعددة في الصناعة والتجارة والزراعة والطاقة وتكنولوجيا المعلومات.. وغيرها، وكل ذلك يساهم برفع معدلات النمو ويتماشى مع رؤية التحديث الاقتصادي 2033.
الدستور