: لماذا لا يصاب بعض الناس بكوفيد أبدا، وما أسرار المناعة الطبيعية ضد فيروس كورونا، وكيف يؤثر على حجم الدماغ، ولماذا لم يعد علينا أن نقلق من انتقال فيروس كورونا من الحيوانات للبشر؟
تحت عنوان "لماذا لا يصاب بعض الناس بكوفيد أبدا؟" كتبت الدكتورة دانييلا جيه لاماس، طبيبة أمراض الرئة والرعاية الحرجة في مستشفى بريغهام والنساء في بوسطن، في نيويورك تايمز (The New York Times)، أن "عدم القدرة على التنبؤ بفيروس كورونا أوضح مدى عدم معرفتنا".
وأضافت "أثناء وقوفي بجانب السرير في وحدة العناية المركزة كوفيد-19 خلال الموجة الأولى، تساءلت عن سبب إصابة الشباب الذين ليست لديهم عوامل خطر محددة بأمراض خطيرة بينما كان أزواجهم وأطفالهم قادرين على إدارة أعراضهم في المنزل".
وأشارت إلى أن أوميكرون "في الآونة الأخيرة، اجتاح المدن، وأصاب الناس بمعدل أكبر بكثير من ذي قبل، ومع ذلك استمرت نتائج اختبارات البعض للفيروس سلبية، حتى لو كان زميلهم في نفس الغرفة إيجابيا".
ولفتت إلى أن "الأطباء والباحثين في جميع أنحاء العالم الآن يتساءلون ويحاولون الإجابة عن أسئلة مماثلة".
واستعرضت الدكتورة بعض المعطيات، التي تشير إلى ارتباط مدى تأثير كورونا علينا بالجينات، مثل:
أولا. وفقا لدراسات أجرتها الدكتورة مايانا زاتز -في البرازيل- فلا توجد طفرة جينية واحدة يمكن أن تؤثر على الاستجابة، ووجدت مع فريقها البحثي متغيرات في جينات الأشخاص المصابين، مقارنة بجينات أزواجهم الذين لا تظهر عليهم أعراض.
هذه المتغيرات تؤثر على نشاط الخلايا القاتلة الطبيعية، وهي مكون رئيسي في جهاز المناعة، فالأشخاص الذين لم تظهر عليهم أي علامة على الإصابة أكثر عرضة للاستجابة القوية للخلايا القاتلة الطبيعية، مما قد يؤدي إلى دفاع أقوى ضد العدوى. هذا لا يعني أن جميع الذين تجنبوا المرض فعلوا ذلك بحكم هذه الجينات.
ثانيا. عالم المناعة للأطفال وعالم الوراثة الدكتور جان لوران كازانوفا من جامعة روكفلر، في الولايات المتحدة، حدد نسبة صغيرة من المرضى المصابين بكوفيد-19 الحاد الذين لديهم طفرات في الجينات المشاركة في مقاومة الفيروسات، مما أدى إلى ثغرة في قدرة الجسم على الدفاع عن نفسه ضد العدوى. كان هؤلاء الأشخاص يتمتعون بصحة جيدة قبل أن يصابوا بفيروس كورونا.
وختمت الكاتبة بالقول "لكن شفرتنا الجينية هي بالضبط حيث يبدأ كل شيء.. في النهاية، جيناتنا ليست سوى جزء واحد من القصة المعقدة للغاية لهذا الفيروس، قصة سنرويها ونعيد سردها في السنوات المقبلة".
أسرار المناعة الطبيعية ضد فيروس كورونا
هذا الموضوع كتبت عنه أيضا فلورنس روزييه في صحيفة "لوموند" (lemonde) الفرنسية، قائلة إن بعض الناس تمكنوا من مقاومة العدوى بفيروس كورونا منذ بداية ظهوره، فيما يصاب به آخرون بكل سهولة.
وأضافت "منذ بداية الجائحة وحتى الآن، لوحظ أن بعض الأشخاص لم يصابوا بالعدوى أبدا، رغم تعرضهم لهذا الخطر في عدة مناسبات".
وبالنسبة للسؤال حول نوعية الأشخاص الذين يمتلكون القدرة على مقاومة الفيروس، يقول البروفيسور لورون أبال، مدير مخبر الجينات البشرية والأمراض المعدية في معهد إيماجين في باريس: "إن النموذج الأكثر إثارة للاهتمام هو عدم تعرض الناس للعدوى في إطار العائلة المقربة، إذ إن الزوجين على سبيل المثال يمكن أن يصاب أحدهما دون أن يعرف بذلك، ويواصل التصرف بشكل طبيعي، ورغم ذلك فإن شريكه لا تنتقل إليه العدوى".
إضافة إلى ذلك فإن لغزا آخر يتعلق بالناس الذين يشتغلون في وظيفة تجعلهم معرضين لانتقال فيروس كورونا بكل سهولة، ولكنهم رغم ذلك نجوا بأعجوبة من كل الرذاذ وقطرات السوائل البشرية التي تتطاير في الجو وتكون محملة بالفيروس، وهذا حصل حتى في بعض بيئات العمل التي لم تتوفر فيها الأقنعة.
فهل أن هنالك حماية طبيعية لدى هؤلاء الناس؟ بل إن هنالك أشخاصا قاوموا عدوى فيروس كورونا رغم أن حالتهم الصحية تجعلهم من المعرضين لخطر التدهور.
مقاومة طبيعية لعدوى فيروس كورونا
ووفقا لدراسة نشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2021 في مجلة نيتشر إميونولوجي nature immunology فإن "نسبة الأشخاص الذين يتمتعون بمقاومة طبيعية لعدوى فيروس كورونا لا تزال غير معروفة إلى حد الآن. ولكن من الناحية الجينية، فإن هنالك بعض الجينات المرشحة لتكون هي التي تحدد هذه المسألة".
ولدراسة هذه الظاهرة بشكل علمي، قام الباحثون أولا بالتأكد من أن مَن شملتهم هذه الدراسة لم يصابوا سابقا بالعدوى دون أن تظهر عليهم أعراض، ولهذا الغرض فقد تم إخضاعهم لاختبارات مسحة كورونا، وتحليل الدم لإثبات عدم وجود الأجسام المضادة، وبالتالي التأكد من أن جهاز المناعة لدى هذا الإنسان لم يتعرض لهذا الفيروس أبدا.
ويقول أوليفييه شوارتز، مسؤول وحدة الفيروسات والمناعة بمعهد باستور في باريس، والمشارك أيضا في هذه الدراسة: "إن مقاومة العدوى ربما تكون مرتبطة بـ3 عوامل حماية قد تجتمع لدى نفس الشخص، وهي عوامل جينية ومناعية وبيئية".
وقد اعتمد العلماء على طرق متنوعة لتقصي هذه المسألة، من بينها دراسة الفوارق الجينية بين من يتميزون بحصانة طبيعية وأولئك الذين أصيبوا بالعدوى، والطريقة الثانية هي دراسة نمط الحياة والمناسبات التي تمثل خطرا أو توفر حماية من العدوى، والطريقة الأخرى هي تحليل الآليات البيولوجية التي تؤثر على هذه المسألة.
وتوضح الدكتورة إيتيان ديكرولي، عالمة الفيروسات الفرنسية أن "جهاز المناعة لدى الإنسان عندما يكتشف وجود الفيروس بشكل مبكر، يمكنه الحد من تأثيره على الجسم. وفي المقابل عندما يكون بطيئا في عملية الاكتشاف، فإن الشحنة الفيروسية يمكن أن ترتفع بشكل كبير وتؤدي إلى شل عمل جهاز المناعة".
وحتى الآن لم يتوصل العلماء إلى تحديد جينات محددة يمكن أن تكون مسؤولة عن هذا الأمر، ولكن يعتقد الدكتور جون دانييل لوليافر المشارك في هذا البحث أن" المسألة لا تتعلق ربما بجين محدد، بل بمتغيرات جينية عديدة تتداخل كلها لتحدد مدى تعرضنا للإصابة بالعدوى أو احتمالات تدهور حالتنا الصحية، وكل جين منها يؤثر على مرحلة معينة من مراحل المرض".
حماية مكتسبة لدى الإنسان
كما يعتقد بعض العلماء بوجود حماية مكتسبة لدى الإنسان حصل عليها من تعرضه سابقا لفيروس من عائلة كورونا، وهو ما تقترحه على سبيل المثال دراسة علمية نشرت في 10 يناير/كانون الثاني الماضي، أجراها معهد أمبريال كوليدج في لندن بداية من سبتمبر/أيلول 2020، عندما لم يكن الناس قد شرعوا في تلقي اللقاح، ولم تكن معدلات العدوى مرتفعة.
وقد لوحظ في هذه الدراسة التي شملت عينة من 52 شخصا خالطوا شخصا مقربا منهم مصابا بفيروس كورونا، أن نصف هذه العينة لم يصابوا بالعدوى، وقد تميز هؤلاء بالذات بمستويات مرتفعة من الوقاية المناعية التي توفرها الخلايا التائية (T cells) التي ينتجها الجسم عند الإصابة بفيروس كورونا من نوع آخر، مثل ذلك الذي يسبب النزلة الموسمية.
وقد أشارت تلك الدراسة إلى أن هذه الخلايا التائية التي تبقى لوقت طويل في جسم الإنسان، تتمكن من التعرف على البروتينات الداخلية في فيروس كورونا -واسمه العلمي "سارس كوف-2″، وهو ما يجعل هذه المناعة الخلوية قوية، وغير معرضة للتقهقر عند حدوث طفرات في بروتين الشوكة "سبايك" الموجود في سطح الفيروس.
ويرى الكاتب أن هذه النتائج مشجعة، بالنظر لكثرة نزلات البرد الموسمية. ولكن حتى الآن لم يتم تحديد مستوى المناعة الفعلي الذي توفره هذه الخلايا التائية ضد فيروس كورونا، وهو ما يحتاج إلى المزيد من البحث والتحليل.
دراسة: كوفيد-19 يمكن أن يسبب انكماش المخ وفقدان الذاكرة
خلصت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد إلى أن فيروس كورونا يمكن أن يسبب انكماش المخ وتقليل المادة الرمادية في المناطق التي تتحكم في العاطفة والذاكرة وإتلاف أجزاء تتحكم في حاسة الشم.
وقال العلماء إن التأثيرات شوهدت حتى في الأشخاص الذين لم يدخلوا المستشفى بسبب الإصابة بمرض "كوفيد-19″، وإن هناك حاجة لمزيد من الدراسة لتحديد ما إذا كان ممكنا عكس التأثير جزئيا وما إذا كان مستمرا في المدى الطويل.
كما قال الباحثون في دراستهم التي نشرت يوم الاثنين ونقلتها رويترز إن "هناك أدلة قوية على حدوث تشوهات مرتبطة بالمخ" عند مرضى "كوفيد-19".
كورونا يؤدي إلى انكماش حجم الدماغ
وتحدث المشاركون في البحث عن رصد "تدهور في الوظائف التنفيذية" المسؤولة عن التركيز والتنظيم حتى في الحالات المرضية الخفيفة، وتقلص أحجام الدماغ في المتوسط بين 0.2% و2%.
فحصت الدراسة، التي تمت مراجعتها من قبل باحثين في المجال ونُشرت في مجلة نيتشر (Nature)، التغيرات في المخ لدى 785 مشاركا تتراوح أعمارهم بين 51 و81 عاما تم إجراء مسح لأدمغتهم مرتين، منهم 401 شخص أصيبوا بكوفيد-19 بين عمليتي المسح. وأجري المسح الثاني بعد 141 يوما في المتوسط من الأول.
أجريت الدراسة عندما كان المتحور ألفا من فيروس كورونا هو السائد في بريطانيا ومن غير المرجح أن تشمل أي مصاب بالسلالة دلتا.
وكانت خلصت دراسات إلى أن بعض الأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد-19 يعانون من "ضبابية في الدماغ" أو ضباب عقلي يشمل ضعفا في الانتباه والتركيز وسرعة معالجة المعلومات والذاكرة.
ولم يذكر الباحثون ما إذا كانت التطعيمات المضادة لفيروس كورونا لها أي تأثير على الأمر، لكن وكالة الأمن الصحي في بريطانيا قالت الشهر الماضي إن مراجعة شملت 15 دراسة توصلت إلى أن الذين تلقوا التطعيم أقل عرضة بمقدار النصف تقريبا للإصابة بأعراض "كوفيد-19" طويلة الأمد مقارنة بغير المطعمين.
وفي تقرير نشرته صحيفة "لوتون" (letemps) السويسرية، نقلت الكاتبة أورول كولون، عن غوينيل داود، المؤلف الرئيسي للدراسة قوله: "لقد لاحظنا أن أدمغة المشاركين المصابين فقدت المادة الرمادية بشكل أكثر من تلك الخاصة بالأشخاص غير المصابين، ولوحظت هذه الاختلافات في مناطق معينة من الدماغ، خاصة تلك المتعلقة بالشم، كما حددنا أيضًا ضمورًا للدماغ، كما كانت التغييرات أكبر كلما تقدم الأشخاص في السن".
وبحسب الكاتبة؛ فقد قال الطبيب فيديريك أسال، طبيب ورئيس وحدة طب الأعصاب العامة والمعرفية في مستشفيات جامعة جنيف، إن "هذه النتائج مثيرة للغاية، لأنها توفر لأول مرة صورة للدماغ قبل وبعد الإصابة بالعدوى؛ حيث يمكننا مقارنة الضمور المرتبط بالشيخوخة بالضمور المرتبط بفيروس كوفيد-19، وذلك بفضل مجموعة المراقبة".
نحو وباء الخرف؟
وتتابع الكاتبة تقريرها فتقول إنه لا تزال آلية عمل فيروس كورونا في الدماغ غير مفهومة جيدًا، مضيفة أنه يمكن أن يؤدي ارتباط الفيروس بمستقبلات الغشاء المخاطي الشمي إلى تقليل حساسية الخلايا العصبية الشمية وبالتالي تقليل إشاراتها، وهو ما أكد عليه الطبيب أسال الذي قال إن "الغياب المطول للإحساس يمكن أن يؤدي إلى تدهور مسارات العصب الشمي. وهذا ما يسمى نزع الانتباه".
وقالت الكاتبة إن الفرضية الأخرى -التي تمت دراستها بشكل أفضل في الأشكال الشديدة لكوفيد 19- هي تفاعل التهابي في الدماغ بسبب ضعف جدار الأوعية الدموية؛ حيث تتداخل الوظائف المتعلقة بالشم والذاكرة في المناطق المصابة من الدماغ، وهو ما يجعل المتخصصين يخافون من أن هذه العدوى على المدى الطويل يمكن أن تسهم في تسريع تطور أمراض التنكس العصبي لدى بعض المرضى مثل الخرف.
فيما حذر جيل علالي، مدير مركز لينارديس للذاكرة قائلًا: "قد نواجه وباء الخرف بسبب عمليات التنكس العصبي التي تسارعت بسبب كوفيد-19".
لماذا لم يعد علينا أن نقلق من انتقال فيروس كورونا من الحيوانات للبشر؟
توقع الكاتب جوناثان غودمان في تقرير في موقع ذا كونفرزيشن (theconversation)، أن أوميكرون وأي سلالة أخرى ستظهر بعده، سوف تزداد تخصصا في العيش بالجسم البشري، وبالتالي أكثر قدرة على الانتقال بين الناس. ولذلك يرى أنه لم يعد علينا أن نقلق من انتقال فيروس كورونا من الحيوانات للبشر.
وكتب أن فيروس "كورونا-سارس-2" منذ بداية انتقاله بين البشر، ظهرت له متغيرات جديدة ساعدته في نقل العدوى بشكل أكثر فاعلية، إذ إن هذا الفيروس في حالته التي اكتشف عليها في مرحلة مبكرة، كان معديا لحيوانات متنوعة، من بينها القطط والكلاب والخفافيش، التي يلقي عليها الكثيرون باللائمة في قفز الفيروس من الحيوانات إلى البشر.
ربما تكون الظروف في سوق الحيوانات البحرية في مدينة ووهان قد وفرت لهذا الفيروس في 2019 بيئة ملائمة للتطور. وبعد ذلك شاهدنا سلالات متنوعة تظهر لدى البشر، مثل ألفا وبيتا ودلتا والآن أوميكرون، وهذه نفس الخطوات التطورية التي يمكن أن ننتظرها من كائن جديد يحاول التأقلم مع البيئة الحاضنة.
سلالات فيروس كورونا التي تتطور في كائنات أخرى لن تكون قادرة على العيش في جسم الإنسان
وبقطع النظر عن خصائصها، فإن كل سلالة جديدة تظهر تكون أكثر قدرة على العدوى والانتشار من سابقتها. ويبدو الآن أن هذا الفيروس متخصص في الاستيطان في أجسام البشر.
ويشير الكاتب أن هذا الفيروس ظهر في 2020 في حيوان المنك، وهو ما اعتبر حينها دليلا على قدرته على الاستيطان في بيئات متنوعة مثل الإنسان، ولكن هذا النوع المكتشف لم يشكل خطرا على صحة البشر. ومؤخرا ظهرت علامات أخرى على وجود سلالات من الفيروس في حيوان الغزال في أونتاريو في كندا، ومن المتوقع ظهور عديد الأمثلة الأخرى في المستقبل.
إلا أن هذه السلالات كلها لن تكون قادرة على منافسة السلالات التي تأقلمت مع جسم الإنسان مثل أوميكرون. وتماما مثلما أن بعض البشر الذين اعتادوا العيش في بيئات محددة، وأصبحت لهم حمية غذائية معينة، سيواجهون مخاطر صحية عندما يحدث تغيير جذري في ظروف عيشهم، فإن سلالات فيروس كورونا التي تتطور في كائنات أخرى لن تكون قادرة على العيش في بيئة جسم الإنسان.