شريط الأخبار

عالم من الوهم يضربنا بقوة

عالم من الوهم يضربنا بقوة
كرمالكم :  
عبدالله المجالي
كان القول المشهور "لا تصدق كل ما تسمع ولا نصف ما ترى" كافيا ليتوقف الإنسان قليلا ويفكر في تصديق ما يعرض عليه. لكن ومع تقدم وسائل الاتصال والتدفق الهائل للمعلومات لم يعد بإمكاننا التوقف للتفكير، وأصبح تمحيص الغث من السمين صعبا.
لكننا اليوم أمام هجمة أخرى، فلم يعد ذلك القول يعمل، فقد انتهى مفعول صلاحيته كما تنتهي صلاحية المواد الغذائية، وأصبح القول السائد: "لا تصدق كل ما تسمع ولا كل ما ترى"!!
لقد تفوقت التكنولوجيا "الفاسدة" على الأمانة العلمية وعلى المصداقية، وبات تمحيص الصحيح من الكذب أمرا بالغ التعقيد يحتاج إلى مختبرات وإمكانيات كبيرة.
أمس اضطرت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" لنفي صحة صورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر سحب دخان صادرة من المبنى، وقيل إنها نتيجة انفجار تعرض له المكان المحصن.
لقد انطلت الصورة على الكثيرين لدرجة أنها أثرت في البورصة، وهبطت بها لفترة قصيرة ريثما تم التأكد من عدم صحة الصورة، وأنها صورة مزيفة.
المثير في الموضوع أن المتهم كان "الذكاء الاصطناعي" حيث رجح عدد من المراقبين أن تكون نتاج الذكاء الاصطناعي التوليدي، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وفق ذات التقرير، فقد أصبح بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بإمكان غير المتخصصين أن يبتكروا في خلال لحظات صورا مزيفة لكنها مقنعة إلى درجة كبيرة، بعدما كانت هذه المهمة تتطلب خبرات عالية وبرامج متخصصة مثل "فوتوشوب".
أجل لقد باتت هذه المسألة متاحة، ويعلمنا تاريخ التكنولوجيا أن كل جديد فيها يتقدم ويكتسح الساحة ويصبح متاحا للجميع، ما يعني أنه بعد سنة وربما أقل ستكون تلك التطبيقات متاحة للجميع، وسنكون جميعا عرضة للتزييف.
شاهدت ذلك التزييف المتقن في مقطع فيديو ظهر فيه وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يتحدث بصوت الإعلامي المصري المثير للجدل توفيق عكاشة! كان الصوت والنبرة والحركات متطابقات تماما مع حركة شفاه وجسد ترامب.. كان المشهد مذهلًا.
مع كل تقدم علمي وتكنولوجي حققه الغرب كانت تظهر آثار جانبية سلبية تزيد نسبتها وتقل أحيانا، لكنها كانت دائما موجودة. وها نحن اليوم أمام أحدث ما قدمته لنا التكنولوجيا الغربية "الذكاء الاصطناعي"، وحتى اللحظة لم تظهر كل آثاره الجانبية، برغم أن له بالطبع آثارا إيجابية.
مسألة العلم والأخلاق، ليست شائكة في الحضارة الإسلامية، وهي التي قدمت إنجازات علمية خارقة، في عصرها، لكنها لم تظهر عليها آثار جانبية كارثية، في حين أن مسألة العلم والأخلاق شائكة في الحضارة الغربية ولذلك فالآثار الجانبية للتقدم العلمي الهائل الذي أنجزوه بادية بشكل واضح؛ انظر إلى اختراع الديناميت على سبيل المثال، وإلى اختراع القنابل النووية، وانظر إلى الكارثة البيئية التي يعاني منها الكوكب اليوم. 
"اللهم أجرنا من تواليها"
السبيل

مواضيع قد تهمك