شريط الأخبار

الحلقة الفارغة في حادثة بريغوجين

الحلقة الفارغة في حادثة بريغوجين
كرمالكم :  
د.حسام العتوم
لم أستعجل الكتابة حول حادثة اغتيال يفغيني بريغوجين قائد منظمة " فاغنر " الأمنية الروسية الخاصة ، و مساعده دميتري أوتكين الى جانب ثمانية آخرون من نفس التظيم ، بعد سقوط طائراتهم الخاصة " امبراير ليغاسي " بتاريخ 23/ 08/ 2023 فوق مدينة " تفير " الروسية في المنطقة الفاصلة بين العاصمة موسكو و مدينة سانت بيتر بورغ شمالا وهي تحترق ، بينما كان المستهدف الأول في الحادث هو بيرغوجين بطبيعة الحال ، و مساعده أوتكين مؤسس التنظيم ومن رافقهم جاءوا بالمعية ، و تسارعت وكالات ووسائل الإعلام الأجنبية غير الروسية في نقل و تناقل الواقعة بينما صمت وقتها الإعلام الرسمي الروسي و انشغل بتغطية احتفالية مرور 80 عاما على النصر في معركة " كورسك " في الحرب العالمية الثانية بحضور الرئيس فلاديمير بوتين ، و لم يصدر أي تصريح من قصر " الكرملين " الرئاسي حول حادثة بريغوجين ، وهو الذي يعتبر من جانب مقاتلا شرسا و قائدا لتنظيم أمني و عسكري خاص ممول من قبل وزارة الدفاع الروسية في موسكو ، و محررا لمدينة" أرتيومسك – باخموت سابقا ، ومن جانب آخر مشاكسا لقيادة وزارة الدفاع الروسية ، و تحديدا لوزير الدفاع سيرجي شايغو ، و لرئيس هيئة الأركان الروسية فاليري غيراسيموف وقتها ، وهو الأمر الذي رفضته القيادة الروسية بقيادة الرئيس بوتين ومهما كانت الأسباب الموجبة لذلك.
وجاء تصريح رئيس روسيا الإتحادية فلاديمير بوتين عبر اعلام بلاده الفضائي في اليوم التالي لحادثة بريغوجين هادئا ، ولقد أشاد بقدراته في مجال البزنس ، و ذكر بأنه يعرفه شخصيا و عن قرب ، ولفت الإنتباه لأخطائه المتكررة ، وقال بأنه وجه لتشكيل لجنة تحقيق ميدانية في الحادثة لتبيان الحقيقة و بتجرد ، و المعروف هو بأن بريغوجين نظم موجة من الغضب داخل تنظيمه " فاغنر " بعد تحرير مدينة " أرتيومسك " هذا العام 2023 ، ووصل مع تنظيمه الى مدينة " روستوف " جنوب روسيا - عاصمتها الثالثة – و أعلن عن زحفه و " فاغنر " الى موسكو للقاء وزير الدفاع و رئيس هيئة الأركان ، وهو ما استغربته موسكو و اعتبرته خطا أحمرا ، ووساطة رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكا شكلت مخرجا أمنا للأزمة بين " فاغنر " و موسكو ، و الا لواجه بريغوجين و فاغنر مصيرا مأساويا مبكرا ، وتم الإتفاق على ترحيل فاغنر و قائده الى بيلاروسيا ، وهو ما أزعج العاصمتين " كييف " و " وارسو " لإقتراب التنظيم منهما.
ولقد رصدت موسكو حراكا عسكريا بولنديا تجاه غرب أوكرانيا و العاصمة " كييف " بعد تحرير روسيا للقرم و للدونباس ، و حركت جيشها تجاه الحدود البولندية لمنع تقدمها صوب أوكرانيا ، وهاجس أصاب العاصمة " كييف " بسبب اقتراب " فاغنر " من حدودها ، و رعب رافق الغرب الامريكي أيضا بعد علمهم بزحف " فاغنر " تجاه الحدود البولندية و الأوكرانية ، الأمر الذي يضع شخصية " بريغوجين الذي يتمتع بشخصية شعبية روسية وطنية كبيرة تحت مجهر عدة محاور بنفس الوقت – روسية ، أوكرانية ، بولندية ، غربية أمريكية - ،تجعل من وسائل الاعلام الدولية توجه أصابع الإتهام ذات اليمين و ذات الشمال من دون أدلة دامغة ، ومن دون انتظار نتائج تحقيق لجنة تحقيق الحقائق التي شكلها قصر " الكرملين " فورا ، و رغم حادثة اغتيال بريغوجين سواء كانت مفتعلة أو تقنية ، فأن تنظيم " فاغنر " التزم الهدوء وخالف توقعات الرئيس البيلاروسي لوكاشينكا بإحتمال هيجانه و تمرده من جديد ، والعملية الروسية الخاصة التحريرية الاستباقية الدفاعية التي انطلقت بتاريخ 24 02 2022 مرتكزة على مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 لازالت عاملة ، وتحقق نجاحات كبيرة في أرض المعركة ، وعلى المستوى السياسي دوليا بتشكيل عالم متعدد الأقطاب مناهض لأحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المرشح للتشقق و الإنهيار خاصة بعد رغبة الإتحاد الأوروبي بالأنفصال عن أمريكا ، و حدوث انقسامات داخل أوروبا أيضا ، و الصين تعي خطورة استهدافها عبر " تايوان " من خلال استهداف روسيا من قبل أمريكا و الغرب أكيد .
ليس معقولا و ليس من مصلحة موسكو التخلص من بريغوجين وهي التي حاورته بعد تمرده الأخير عليها بسبب ملاحظاته على قيادته العسكرية العليا ، و نقلته من بيلاروسيا الى أفريقيا ، والى سانت بيتر بورغ ، وهو ، أي بريغوجين ، الذي صرح من أفريقيا بأنه يعمل هناك لتحقيق مجد لروسيا ، و ليشعر الأفارقة بالحرية بعد مساعدتهم بمطاردة الإرهاب على أرضهم ، و يصعب الإعتقاد بأن طائرات غرب أوكرانيا المسيرة المصنعة في الغرب هي من استهدفت بريغوجين ، ولا تملك " كييف " صورايخا داخل الاراضي الروسية من شانها تحقيق نفس الغرض ، و أيدي بولندا بعيدة عن الميدان الروسي الداخلي ، و لا حضور للغرب الأمريكي اللوجستي وبقوة فوق الاراضي الروسية يمكن ملاحظته للوصول لمثل هكذا اهداف مثل تصفية بريغوجين ، و احتمال وجود خلاف على زعامة " فاغنر " داخل التنظيم نفسه وارد ، و لا يجوز استعجال توجيه الإتهامات لأي جهة أو جانب.
وموسكو تنتظر الانتهاء من عمليتها العسكرية عندما يقتنع التطرف الأوكراني بقيادة التيار البنديري ، وكذلك نظام " كييف " السياسي بأن المعركة انتهت ، و بأن نصر روسيا تحقق عسكريا و سياسيا ، و عندما تقتنع أمريكا بتوريطها لنفسها و للغرب ، لخمسين دولة ، و (لكييف) العاصمة في حرب ما كان لهم أن يزجو أنفسهم فيها ، و بأن لا مخرج للجدل حول سيادة أوكرانيا خارج الحوار ومن دون الوصول لإتفاقية ما بعد الحرب ، لسلام الأمر الواقع ، لدولة غرب أوكرانية و عاصمتها " كييف " من دون ( القرم و الدونباس ) ، و الدولة المنتصرة مثل روسيا العظمى هي من تفرض شروطها بطبيعة الحال ، و الحرب بالنسبة لها هي مؤامرة عليها بالكامل ، و التاريخ المعاصر شاهد عيان عندما هاجمت اليابان الأتحاد السوفيتي نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 ، و خسرت جزر " الكوريل " و الى الأبد ، وهكذا هو حال روسيا مع الغرب الامريكي و " كيييف " العاصمة في حربهم التي تسببت حتى الان في خسرانهم ( القرم و الدونباس ) الى الأبد ، و القادم أصعب على أوكرانيا " كييف " اذا ما استمرت العملية / الحرب .
لقد هاج وماج الاعلام الغربي فرحا بعد حادثة اغتيال " بريغوجين " ووجه سهام الإتهامات لموسكو فورا ، وهو توجه أيدولوجي يشكل جزءا من نشرها المبرمج للفوبيا الروسية وسط أركان العالم ، و للحرب الباردة ، و لسباق التسلح ، و بهدف تشويه صورة روسيا الخارجية ، و لزعزة نظامها الداخلي و صورته أمام شعوبه ، وهو المستحيل ، و روسيا الإتحادية من يعرفها من الداخل يتأكد له بأنها الأكثر التزاما بالقانون الدولي عالميا ، و بأن لديها قناعة حل الأزمات الدولية من خلال مؤسسات القانون الدولي مثل " الأمم المتحدة ، و مجلس الأمن ، و المحكمة الدولية ، و حقوق الأنسان ، و محكمة الجنيات الكبرى قبل اختراقها من قبل أمريكا و الصهيونية العالمية ، و ليس بدفع السلاح و المال الأسود و بحجم تجاوز ال 200 مليار دولار ، و هي الأموال التي لم توجه حتى لإعادة اعمار أوكرانيا المحتاجة اليه قبل أي دولة عانت من الحروب على خارطة العالم ، و الحرب الغربية بالوكالة الجارية فوق الأرضي الأوكرانية و الروسية تستهدف أوكرانيا و روسيا والصين وكل دولة عالمية ناهضة ، وهي حرب ثالثة تقليدية عسكرية ، لوجستية ، اقتصادية بالوكالة ، و البشرية ليست محتاجة لها بقدر حاجتها للسلام و التنمية الشاملة ، وعلى الغرب الأمريكي رفع يده عن الحرب التي بدأت بواشنطن العاصمة ، وهي المرشحة الى جانب الغرب للمحاكمة و ليس روسيا بعد عقد لجنة تقصي حقائق دولية محايدة.

مواضيع قد تهمك