شريط الأخبار

بنك الجلود البشرية

بنك الجلود البشرية
كرمالكم :  

محمد العامري

لم تشفع الحضارة الإنسانية لطبائع الكيان الصهيوني فيما يذهب إليه من تفريغ أحقاده التاريخية في جسد الضحية الفلسطينية التي فارقت الحياة، كما لو أنه يريد أن يقتل الضحية مرتين مرة عندما فارقت الحياة ومرة أخرى بسلخ جلدها كصورة من صور تعظيم الاجرام، فهو بذلك يعيد مفاهيم فاضحة لحضارة الانسان عبر اعدام الضحية مرتين، فهو يعيد طريقة قديمة في اعدام المخطئ من خلال سلخ جلده وهي إحدى طرائق التعذيب والإعدام، يتم فيها نزع جلد الضحية عن جسدها. وكان السلخ يجري أيضًا على جثث الموتى بغرض إهانة العدو، ويستخدم أحيانًا لأغراض دينية، من بينها منع الميت من الوصول للآخرة، كما كان الجلد المسلوخ يستخدم أحيانًا في إرهاب العدو أو في أغراض السحر.

واذكر هنا قول المتنبي:" ما لجرح بميت إيلام" فما قام به الاحتلال الصهيوني في عصر الحداثة يفوق العصور الغابرة فقد انشأ بنكا للجلد البشري لترميم الاحياء من جنوده المصابين، ويتحدث إرنست يونج في كتابه «تاريخ حضاري مختصر للجلد"‏ عن سلخ البشر في الإمبراطورية الآشورية الحديثة، وهو تقليد كان يمارسه الآشوريون منذ عهد آشور ناصر بال الثاني، وكانوا يتفاخرون به ويخلدونه في نقوشهم ومراسيمهم الملكية على حد سواء، وكانت المراسيم الملكية تتضمن تباهي الملك بإنزاله هذا المصير على أسراه، فالاحتلال الصهيوني يقيم العقاب على الضحية المفارقة للحية فهو المسكون بالخوف من ضحيته واستثمارها كتجارة انتقامية، كمن يعصر الضحية إلى آخرها وربما طحنها، كعقوبة لتمرد المقاوِم الذي يتحصن بعقيدة التحرير، وفي نص منسوب إلى آشور ناصر بال الثاني، جاء فيه:" قد صنعت عمودًا قبالة بوابة المدينة، وسلخت كل القادة العصاة، وكسوت العمود بالجلد المسلوخ، وكسوت جدران المدينة بجلودهم، حيث يتساءل الكثير عن جثث شهداء غزة نتيجة قصف جيش الاحتلال الى اين تذهب وقد كشفت بعض المصادر أن الكيان المحتل يتجار بأعضائها وجلودها، فلم يعر الاحتلال أي قيمة للجسد الميت، فقد تأسس بنك الجلود والأعضاء في الكيان الصهيوني في العام 1986 بإشراف قطاع الطب العسكري التابع لجيش الاحتلال، لم يدرك الصهيوني بأن جلد الضحية الفلسطينية يمتلك ذاكرة للكتابة، فقد شاعت الوشوم التي تنام على زنودهم باسم فلسطين، فهل انتقلت فلسطين إلى جلد القاتل، ربما يكون الوشم بيت من الشعر أو وصية من أمه أو جملة لها علاقة بحلم التحرير أو خارطة لفلسطين كاملة، فجلود العدو تحمل ذاكرة ضدية تلاحقهم في أجسادهم، ستشكل تلك الجلود الحارة صورة أخرى من هذيان العدو وتعميق الخوف القابع في جنباتهم.

فسلخ الجلود البشرية هو امتداد للسلوك الأمريكي فيما يخص الهنود الحمر "السكان الأصليين لأمريكا، فقد تباهى الامريكان بوحشيتهم تجاه الهنود الحمر، فما قاله حاكم مستعمرة بليتموت:" إن نشر هذه الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الله، ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت".

فنرى إلى الدفاع غير المسبوق عن الكيان الصهيوني في وحشيته الطلقة من قبل الاجليز والامريكان كصورة لهما في مرآة التاريخ، هي بمثابة لذة الماضي التي أسست دولة أمريكا بكونها دولة تأسست على الوحشية المفرطة، فقد ارتكب الأمريكي والإنجليزي الأبيض جريمة سلخ فروة الرأس في كل حروبه ضد الهندي وذلك على النقيض مما تروج هوليود والرسميون والإعلاميون وأكاديميو التاريخ المنتصر، فقد رصدت السلطات الاستعمارية مكافأة لمن يقتل هندياً ويأتي برأسه، حيث رصدت المحكمة العامة في مستعمرة ماسوسيتش مكافأة مالية لكل من يأتي بفروة رأس هندي مهما كان عمره أو جنسه وتختلف المكافآت بحسب مقام الصياد.

يقول هيكل : (يتنبّه الهنود الحمر من سكان أمريكا الأصليين إلى أن المهاجرين البيض الذين نزلوا على شواطئهم لم يعد يكفيهم ما امتدت إليه أيديهم من ذهب وجواهر، وما خطفوه من بنات ونساء! وإنما هم الآن ينصبون خياماً على الأرض، ويدقون ويحفرون، فهم إقامة وليست زيارة، ويورد "جاك بيتي"؛ وهو محرر كتاب "العملاق"، واحداً من تقارير شركة "فرجينيا" مكتوباً سنة 1624م، ومرسلاً إلى جمعية المساهمين بها في لندن ، وفيه بالنص:"إن الخلاص من الهنود الحمر أرخص بكثير من أية محاولة لتمدينهم فهم همج، برابرة، عراة، متفرقون جماعات في مواطن مختلفة، وهذا يجعل تمدينهم صعباً، لكن النصر عليهم سهل، وإذا كانت محاولة تمدينهم سوف تأخذ وقتاً طويلاً، فإن إبادتهم تختصره، ووسائلنا إلى النصر عليهم كثيرة؛ بالقوة، بالمفاجأة، بالتجويع، بحرق المحاصيل، بتدمير القوارب والبيوت، بتمزيق شباك الصيد، وفي المرحلة الأخيرة المطاردة بالجياد السريعة والكلاب المدربة التي تخيفهم لأنها تنهش أجسادهم العارية".

فنجد أن ما يفعله الكيان الصهيوني هو صورة طبق الأصل عن معينه الأمريكي، فيما يخص اقتلاع الأشجار وحرق المحاصيل وسلخ الجلود وتدمير المنازل وترك الجثث في العراء والتجويع.

اننا أمام وهم كبير اسمه العدالة ووهم أكبر أسمها الحضارة والحداثة، فما زلنا نصدق ذلك لذلك سنبقى نراوح في مكاننا كأمة مهزومة لا تتقدم قيد أنملة.

مواضيع قد تهمك