د. سلام
العبيدي
دعونا نفكر في
الرد الإيراني المتوقع على العدوان الاسرائيلي الذي استهدف الجمهورية الإسلامية
فجر يوم 26 تشرين الاول / اكتوبر الماضي. بعد توجيهات المرشد الأعلى السيد علي
الخامنئي دخل هذا الرد عده التنازلي. فما هو هذا الرد شكلاً وتوقيتاً؟
المسؤولون
الإيرانيون الذين علقوا على توجيهات السيد الخامنئي يتوعدون الكيان الاسرائيلي
بضربة قاسية لا يتوقعها نظرا لتماديه في افعاله العدوانية ضد محور المقاومة برمته،
اي ليس ضد طهران فحسب.
لنرسم
تصوراتنا وتكهناتنا لشكل هذا الرد من خلال محاولة فك رموز الصيغة التي ورد بيها
الوعيد الإيراني.
في الضربة
الإيرانية الاولى – "الوعد الصادق – 1” – التي تمت في 13-14 نيسان / أبريل الماضي،
استطلع الإيرانيون قدرات الدفاع الجو – صاروخي الإسرائيلية لكشف نقاط الضعف فيها
وتحديد المسارات الأمثل لتوجيه الصواريخ والمسيرات وفضح الدول التي يمكن أن تتواطأ
مع الكيان الاسرائيلي ومعرفة مدى انخراط القوات الامريكية في أعمال عدائية مباشرة
ضد ايران.
الاستنتاجات
التي خرجت بها القيادتان السياسية والعسكرية في الجمهورية الإسلامية بعد الضربة
الاولى كانت بمثابة "صك تفويض” لإنزال ضربة أكثر إيلاماً بالكيان الغاصب في "الوعد
الصادق – 2”.
في حيازة صناع
القرارات السياسية والعسكرية في طهران اليوم استنتاجات ونتائج "الوعد الصادق”
بنسختيه الاولى والثانية والعدوان الاسرائيلي الأخير على ايران. بعبارة اخرى، لدى
الإيرانيين ما يكفي من المعلومات والمعطيات السياسية والاستخبارية والعسكرية
والتقنية لتحديد شكل الرد وتوقيته.
من حيث الشكل،
يمكننا ان نتوقع ان يكون الرد أكثر قوة وإيلاماً. وانطلاقا من هذا المنطق، فان
الإيرانيين سيطلقون كماً اكبر من المسيرات والصواريخ، بما في ذلك أصناف اكثر
تطوراً لم تستخدم من قبل. اضافة الى ذلك، فان الرد يفترض ان يكون جماعياً وواسعاً
جغرافياً، اي بمشاركة كافة فصائل المقاومة، لشل القدرات الدفاعية إلى أقصى حد
للكيان الاسرائيلي والمتواطئين معه إقليمياً. اما الاهداف المشروعة لهذا الرد،
الذي قد يطلق عليه "الوعد الصادق – 3″، فهي:
ـ اولاً:
المطارات العسكرية التي انطلقت منها الطائرات الحربية الاسرائيلية التي شنت
العدوان على ايران وتستمر في الاعتداء على غزة وسوريا ولبنان واليمن.
ـ ثانياً:
مراكز القيادة والسيطرة والتخطيط العسكري والاستخباري.
ـ ثالثاً:
تحشدات القوات الإسرائيلية على محاور الاشتباك مع المقاومة الإسلامية في كل من غزة
ولبنان (في جنوب فلسطين المحتلة وشمالها). وهذا أمر طبيعي ويندرج في فلسفة الإعلان
الإيراني بان الكيان الصهيونى سيعاقب على جرائمه ليس فقط ضد ايران وانما ضد فصائل
محور المقاومة برمته.
ـ رابعاً:
اهداف عسكرية منتخبة كمنصات القبة الحديدية وراداراتها ومركز التحكم بها وغيرها من
وسائل الدفاع الجو – صاروخي الاسرائيلية.
ـ خامساً:
منشآت التصنيع العسكري وغيرها من المرافق الاقتصادية والصناعية التي تدعم المجهود
الحربي الإسرائيلي كمصافي النفط ومحطات الطاقة وحقول الغاز والموانئ إلخ.
ـ سادساً: من
الطبيعي ان يكون رموز الكيان الصهيونى في "بنك الأهداف” الإيراني بعد ان اقدمت تل
ابيب على سلسلة من الاغتيالات السياسية التي استهدفت قادة المقاومة من الإيرانيين
وغير الإيرانيين. وربما إرسال مسيرة إلى غرفة نوم زعيم الزمرة الصهيونية الحاكمة
بنيامين نتنياهو يأتي بمثابة توعد: "احذر يا نتنياهو، سنأتي إليك في غرفة نومك”!
ماذا بالنسبة
لتوقيت الضربة؟ كل ما يتعلق بالضربة مرتبط وثيق الارتباط بموعد الانتخابات
الرئاسية الأمريكية في الخامس من تشرين الثاني / نوفمبر الجاري. لا يوجد ادنى شك
في أن القيادة الإيرانية تدرس خيارات توقيت الرد بكل دقة وتحاول استقراء تأثير
الضربة على سير العملية الانتخابية وأمزجة الناخبين وردة الفعل الرسمية سياسياً
وعسكرياً. من البديهي، نحن نتحدث عن ثلاثة احتمالات:
ـ أولاً: الرد
سيكون قبل انطلاق الانتخابات. في هذه الحالة من المرجح أن تقع الضربة الإيرانية
يوم الاحد او الاثنين وتكون فعلاً قوية ومؤلمة وتهز الكيان الاسرائيلي. عندئذ
سيكون التدخل الأمريكي المباشر في الساعات الاولى محدوداً وربما سيقتصر على محاولة
صد الصورايخ والمسيرات وتوجيه ضربات محدودة في لبنان واليمن. ادارة جو بايدن
ستنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية. إذا إتضح أن كفة كامالا هاريس هي الراجحة، لن تتورط
الادارة الديمقراطية في حرب مباشرة ضد الجمهورية الإسلامية، بل ستعمل إلى أقصى حد
على احتواء الموقف المتفجر في الشرق الأوسط. هاريس لن ترغب في أن تبدأ ولايتها
الرئاسية بحرب مجهولة العواقب. هذا لاحتمال مناسب للجانب الإيراني ولمحور المقاومة
برمته، لأنه سيعني بدء العد التنازلي لنتنياهو وحكومته. أما إذا كانت النتائج
مرجحة لكفة دونالد ترمب فان الديمقراطيين يمكن أن يشعلوا الحرب ويورطوا بها
الادارة الجمهورية على مبدأ: "بعدنا لتأكل الحرب الأخضر واليابس”.
ـ ثانياً:
ايران ستنزل ضربتها مع انطلاق الانتخابات. عندئذ يتوقع ان يرتبك المشهد الانتخابي
الأمريكي لان الناخبين سيكونون في حيرة من امرهم لمن ينبغي ان يدلوا باصواتهم
لتجنب اسوأ الاحتمالات. وهذا سيضع ادارة بايدن امام خيارين احدهما اسوأ من الاخر:
التورط في الحرب ام تجنبها؟ هكذا ستختلط أوراق المشهد السياسي الامريكي، ما ينذر
بقلاقل وفوضى من الصعب التنبؤ بعواقبها. هذا الاحتمال هو الاخر قد يكون مناسبا
لايران وحلفائها، وربما حتى دول اخرى مثل روسيا. قد يصبح مقدمة لتحولات جذرية تمس
النظام الدولي بأسره. ربما مثل هذا السيناريو يرعب كثيرين في العالم.
ـ ثالثاً:
الرد سيكون بعد إعلان نتائج الانتخابات الامريكية. إذا فازت كامالا هاريس، فان
تدخل واشنطن سيكون محدوداً ويبقى في اطار احتواء الموقف وعدم السماح بإلحاق ضرر
يهدد استقرار الكيان الصهيونى واستمراره أصلاً. الديمقراطيون يريدون فقط إبعاد
نتنياهو وحكومته المتطرفة عن المشهد السياسي الإسرائيلي وليس تهديد وجود الكيان.
اما إذا فاز ترمب، فهذا سيكون في مصلحة نتنياهو (وبالمناسبة روسيا ايضا، لذلك لم
توقع موسكو مع طهران حتى الان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة منتظرةً نتائج
الانتخابات الأمريكية). وهذا ليس في مصلحة ايران وحلفائها اطلاقاً.
على اساس ما
تقدم، فان اي احتمال يأتي بالجمهوري ترمب الى المكتب البيضوي في البيت الأبيض لن
يكون في مصلحة طهران. وهذا بدوره يرجح الاحتمال الاول – الضربة قبل موعد
الانتخابات. قد يقول البعض ان هذا الاحتمال يوحي بان ثمة صفقة أمريكية – إيرانية
عقدت في الكواليس. لكن من يعتقد كذلك عليه ان يتذكر ان لعبة الشطرنج بشكلها الحديث
ابتكرها الإيرانيون، وهذا يدل على حنكتهم وطول باعهم، لذلك اطلقنا على تصرفهم في
مقالات سابقة مصطلح "الصبر الاستراتيجي” الذي لاقى رواجاً وأصبح معتمداً في
الادبيات السياسية.
في نهاية
المطاف، الإيرانيون سيصنعون الخيار وفق قناعاتهم وتحليلاتهم واستنتاجاتهم والنتائج
التي يريدون تحقيقها. وعلى هذا الأساس فان إرباك المشهد السياسي الأمريكي، اي
الاحتمال الثاني، هو ايضا خيار بالنسبة لهم.
*كاتب وإعلامي عراقي-
رأي اليوم