انطلقت من رحاب الجامعة الأرنيّة اليومَ أكبرُ تظاهرةٍ علميّةٍ وأكاديميّةٍ معرفيّةٍ متمثّلة بملتقى الأساتذة الفخريّين بنسخته الثانية التي حملت عنوان: "التعليم العالي في عصر التحوّلات المتسارعة"، برعاية وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلميّ الدكتور عزمي محافظة، وحضور حشدٍ كبيرٍ من العلماء والأكاديميّين والخبراء من مختلف دول العالم.
وقال محافظة في كلمة ألقاها خلال حفل الافتتاح: "إنَّ الملتقى ليس مجرَّدَ فعاليّة رمزيّة، بل هو تأكيدٌ حيٌّ على أهميّة استدامة العلاقة مع العقول اللامعة التي أسهمت في صناعة تاريخ جامعاتنا، ورسمت ملامحَ مستقبل التعليم العالي في الأردنّ"، لافتًا إلى أنَّ الأساتذة الفخريّين يمثّلون ثروةً كبيرةً لا بدَّ من استغلالها والاستفادة من خبراتهم في تطويرِ السياسات التعليميّة، وتوجيهِ البحث العلميّ، وتعزيزِ الشراكات الدوليّة.
وأكّد محافظة أنَّ وزارة التعليم العالي والبحث العلميّ تؤمن إيمانًا راسخًا بأنَّ الأساتذة الفخريّين يمثّلون مخزونًا وطنيًّا من الخبرة والحِنكة، فيجب الاستفادةُ منهم ليس فقط في التدريس، بل في رسم السياسات، وتوجيه البحث العلميّ، وتعزيز الشراكات
وبيّنَ محافظة أنَّ الملتقى أيضًا فرصةً ثمينةً لتنسيق الجهود وتعزيز التعاون الثنائيّ في مجالات البحث العلميّ، والابتكار، والتعليم العابر للحدود، وهو ما يتطلّع إلى تطويرِه ضمنَ أهداف الوزارة الوطنيّة ورؤية التحديث الاقتصاديّ، حيث إنّهم يجدّدون التأكيدَ الكاملَ في وزارة التعليم العالي والبحث العلميّ على التزامهم بدعم كلّ مبادرة تهدف إلى تعزيزِ جَودة التعليم، وتحقيقِ العدالة الأكاديميّة، وربطِ مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا.
وأشار محافظة إلى أنّه أصبح لِزامًا علينا، في ظلِّ ما يشهده العالمُ من تحوّلات سريعة في مجالات الذكاء الاصطناعيّ، والتحوّل الرقميّ، أن نعيدَ صياغةَ رؤيتنا للتعليم العالي، بحيث يصبح أكثرَ مرونةً وشمولًا وابتكارًا.
كما أنّ رئيس الجامعة الأردنيّة الدكتور نذير عبيدات قال: "إنَّ قدرَ هذا الجيل أن يشهد التغيّرَ السريعَ للعالم، إلّا أنّنا نحتاج هذا التغييرَ من أجل التحوّل والازدهار، إذ يشكّل الفرصةَ التي قد تمنحنا الكثيرَ إن أحسنّا التعاملَ معها، مؤمِّلًا أن تحملَ السنواتُ القادمة الأملَ والمحبّةَ للفقراء والمهمَّشين والضعفاء.
وأكّد عبيدات أنّ الجامعاتِ تملكُ القدرةَ على التمكين للوصول إلى الفرص المستقبليّة الحقيقيّة والفاعلة، وما هذا الملتقى إلّا ممكِّن لجامعتنا وجامعاتنا الأردنيّة كلّها؛ لتسيرَ جامعتُنا والجامعاتُ الأردنيّة في الدرب الطويل الذي يقودنا الى أجملَ وجهة وغاية.
وشدّدَ عبيدات على أنَّ الجامعات اليومَ مطالَبة باستقلاليّة الفكر والحوكمة التي ترعى وتمكّن طلبتَها من خوض غمار الإبداع والتفكير المُفضي للابتكار، فالإبداع والابتكار هما المفتاح الحقيقيّ لبناء مجتمع قادر واقتصاد قويّ، مشدّدًا على أنّه لا بدَّ للجامعات أن تتحمَّل مسؤوليّة منح الأولويّة لتحدّيات العصر المتمثّلة في تغيّر المناخ والذكاء الاصطناعيّ ورعاية القيم الانسانيّة.
وطرح عبيدات جملةً من التساؤلات حول مستقبل دول الجنوب، إذا ما استطاعت الخوضَ في عالم الحوسبة الكموميّةQuantum Computing,، ممّا سيجعلها تزدادُ فقرًا، بينما ستزداد دول الشمال غنى.
وتساءل عبيدات عمّا سيُحدِثه التطوّرَ الكبيرَ في أنظمة الذكاء الاصطناعيّ الكبير فيما هو وراء المادّة، ما يستوجبُ على علماء الفلسفة والشريعة وعلم الاجتماع وعلماء الخلية والذرّة، الاستعدادَ إلى الإجابة على أسئلة عميقة سيسألها الأطفالُ قبل الكبار.
ووضع عبيدات تساؤلاتٍ عدّة على طاولة نقاش الملتقى حول توظيف الإبداعات مع الريّاح العملاقة العائمة، والتقنيّات الرائدة في تطوير اللقاحات، والحلول لنشر الإنتاج في كلّ مكان في العالم، ما يمكن عملُه تجاه الإنتاج العارم، ومستقبل الموارد البشريّة، وكيف وماذا ولماذا نعلّم طلبتَنا لنصلَ بهم إلى برّ الأمان، ولا نتركهم يجابهون التحدّياتِ الكبرى للحياة، بلا علم قادر، وبلا بحث منتج، وبلا فكر منفتح.
وفي سياق ردِّه على تلك التساؤلات، قال عبيدات: "إنَّ التعليمَ الجيّدَ هو الممكِّن الرئيس للتعامل مع شبه المعجزات القادمة، وإنَّ العلمَ هو الطريق الذي سيقود العالم للخروج من تحدّيات الفقر المُدقِع، وهو المعادل العظيم الذي يمكن أن يضيّقَ الفجوةَ بين الاقتصادات المتقدّمة وتلك الضعيفة".
فيما ألقى البروفيسور فليب جيسوب من جامعة كوينز الكنديّة كلمةَ الأساتذة الفخريّين، قال فيها: "إنَّ الملتقى العام الماضي حقّق نجاحًا باهرًا، إذ جمع بين العديد من الشخصيّات من دول وثقافات مختلفة، يحملون رؤىً ومهاراتٍ متنوّعةً، وإنّني أتطلّع اليومَ إلى لقاء أكبر عدد ممكِن منكم، وإلى التحاوّر معكم، فلنتبادلْ خبراتِنا، ولنُشعلْ في نفوسنا نارَ التعلّم من بعضنا البعض".
وعبّرَ جيسوب عن أملِه في توسيع التعاون بين الجامعة الأردنيّة وجامعة كوينز خصوصًا، في مجال تبادل أعضاء هيئة التدريس والطلبة، مؤكِّدًا قضاءَ بعض الوقت في بلد مختلف، والتعرّفَ إلى كيفيّة حياة وثقافة وفكر ذلك البلد، وطريقةَ ممارسته للبحث العلميّ، هو أمر لا يُقدّر بثمن.
وحولَ تجربته التدريسيّة في الجامعة الأردنيّة، قال جيسوب: "إنّني قد لمستُ في طلبة الجامعة الأردنيّة حدّةَ الذكاء، وتوقًا حقيقيًّا للتعلّم، وأنَّ لديهم الشغفَ وتلك الرغبةَ الصادقةَ في المعرفة.
وعرّج جيسوب على تجربته البحثيًة مع عدد من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الأردنيّة حول موضوعات:"الكيمياء الخضراء" والعلوم المرتبطة بها، مثل تطوير طرق جديدة لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى منتجات قيّمة، وابتكار محفّزات جديدة لإنتاج وقود الهيدروجين النظيف من الماء، وتصميم تقنيّات أكثر صداقة للبيئة في مجالات الزراعة والطبّ والتدفئة الشمسيّة.
وشارك في هذه التظاهرة نحو 80 عالمًا من أعرقِ جامعات العالم، ممّن حصلوا على لقب أستاذ فخريّ، لقاءَ إسهاماتهم البارزة والفارقة في مجالاتهم الأكاديميّة أو البحثيّة، التي شكّلت منعطفًا تاريخيًّا للجامعة الأردنيّة، نظرًا لأهميّوها البالغة على العديد من الأصعدة الأكاديميّة والبحثيّة والتكنولوجيّة والاجتماعيّة.
وتهدف الجامعةُ من عقد هذا الملتقى إلى التأسيسِ لمِنصّةٍ علميّةٍ لتبادل الخبرات والمعارف وتبادل الأفكار بين العلماء من مختلف المجالات والتخصّصات والبلدان والثقافات،، التبادل الذي يمكن أن يؤدّيَ إلى اكتشافات جديدة وتعزيز الفهم العلميّ المشترك، في سعيٍ لتشجيع ريادة الأعمال والمشاركة الصناعيّة واستكشاف فوائد وتحدّيات تكوين الشراكات بين مؤسّسات التعليم العالي والصناعة، بما في ذلك فرص التعاون البحثيّ وبرامج التدريب ومبادرات نقل التكنولوجيا.
وتأملُ الجامعةُ أن يشكِّل الملتقى حافزًا لدعم جهود التعاون بإتاحته الفرصَ لبناء علاقات تعاون دوليّة في مشاريع بحثيّة مشتركة، بما يسهم في التغلّبِ على التحدّيات العالميّة والجديدة في التعليم العالي، ومناقشةِ الابتكار في طرق التدريس والتعلًم، ودورِ التقنيّات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعيّ، في تشكيل مستقبل التعليم العالي وبناء المهارات والكفاءات القياديّة لدى القادة التربويّين الحاليّين والطموحين.
وتستضيف الجامعةُ هذا الحدث الأكاديميَّ البارزَ بوصفها منارةً فكريّةً في سماء العلم والمعرفة؛ فالملتقى ليس مجرَّدَ تجمّع علميّ، بل احتفالًا بالروح الإنسانيّة التي تسعى إلى التفوّق والتقدّم، في لحظة تستحضر فيها الجامعةُ سمعتَها الأكاديميّةَ وترسّخ قِيمَها الرائدة، وتفتح أبوابَها واسعةً لاستقبال عقول لامعة وأفكار متجدّدة من شتّى أنحاء العالم.
وفي ختام فعاليّات افتتاح الملتقى، كرّم رئيسُ الجامعة الأردنيّة الدكتور نذير عبيدات وزيرَ التربية والتعليم العالي الدكتور عزمي محافظة لدور الوزارة البارز في تقدّم الجامعة وازدهارها، وعددًا من الأساتذة المشاركين في الملتقى، الدروعَ لقاءَ دورِهم المهمّ في دفعِ عجلة البحث العلميّ في الجامعة، ومساعدتِها على النهوض بتصنيفها العالميّ، ودفعِ عجلة الإنتاج العلميّ على كافّة الصعد وتطويرِه.