د.حسام العتوم
العراق عمق
استراتيجي هام للعرب ، و بلد نفطي متميز ، و يمتلك الاحتياطي الخامس في مجاله على
مستوى العالم ، ومن بلدان - الشرق القريب - بالنسبة لروسيا الاتحادية ، القطب
العملاق مساحة و اقتصادا و قدرة نووية عسكرية و سلمية . و جذور علاقته مع المعسكر
السوفيتي الشرقي ، تعود للقرن الثامن عشر لزمن الإمبراطورية القيصيرية ، و لحقبة
الاتحاد السوفيتي و تحديدا لعام 1944 مع نهايات الحرب العالمية الثانية ،و انقطعت
عام 1955 في عهد رئيس الوزراء نوري السعيد بسبب انتقاد موسكو حلف بغداد ، ثم
استؤنفت عام 1958 في عهد عبد الكريم قاسم . و بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام
1991 ، و انطلاقة العملية العسكرية الروسية الخاصة الدفاعية التحريرية عام 2022 ،
مثلت روسيا توجها لعالم متعدد الاقطاب شمل شرق و جنوب العالم وابقى الباب مواربا
تجاه الغرب ، و استمرت العلاقة بينهما حتى عام 1991 ، وهو عام انهيار الاتحاد
السوفيتي ، و مرت العلاقة العراقية السوفيتية بمرحلة مزدهرة ابان الحرب العراقية –
الايرانية ( 1980 – 1988 ) بسبب اسناد الاتحاد للعراق في وقت ساندت فيه الولايات
المتحدة الأمريكية ايران وسط سعير الحرب الباردة و سباق التسلح ،و بنتيجة وصلت إلى
صفر / صفر ، وخسارة بشرية من الطرفين قدرت بثمانية ملايين إنسان ، و اتيحت الفرصة
لي شخصيا وقتها للعمل مراسلا صحفيا لجريدة الدستور الأردنية في العراق نهاية الحرب
العراقية – الإيرانية ، ثم اصطدم الاتحاد السوفيتي مع العراق لاحقا حول مطب
الإجتياح العراقي غير المشروع للكويت عام 1990 . و قدم الاتحاد النصائح للعراق
وقتها للبقاء في مكانه داخل حدوده ، وقبل عام 2003 جددت روسيا الاتحادية النصائح
للعراق ،و للرئيس صدام حسين بواسطة مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين – يفغيني بريماكوف
- لترك السلطة و الذهاب لقيادة حزب البعث، أو مغادرة العراق تجاه روسيا بسبب عزم
حلف ( الناتو ) التحرك تجاهه حينها ،وعادت و أدانت اعدام الرئيس الشهيد صدام حسين
بغير وجه حق ،و بطريقة مسيسة ، وهو المنتخب من قبل شعبه .
وما يحكم العلاقة بين الدول دائما هي المصالح المشتركة ، فكان العراق دوما مهما بالنسبة للاتحاد السوفيتي خاصة في حقبة الحرب العالمية الثانية و الحاجة لتمرير السلاحين الأمريكي و البريطاني تجاهه لمواجهة زحف أودلف هتلر و النازية الألمانية و حلفهم ، و لتحقيق نصر أكيد ، حققه الاتحاد السوفيتي فعلا برفعه لعلمه فوق الرايخ – البرلمان الألماني عام 1945 بعد فاتورة من الشهداء بلغت أكثر من 28 مليون شهيدا . وعبر الاتحاد السوفيتي إلى العراق عبر تسليحه و المشاركة في بناء بنيته التحتية لضمانة قربه منه ، و العراق اقترب من الاتحاد السوفيتي في زمن الحاجة لترجيح ميزان العالم المنقسم وقتها إلى شرق و غرب ، لكنه لم يتمكن فعل ذلك إبان العهد الملكي قبل ذلك بسبب التحالف مع بريطانيا و أمريكا ، وهو الخط المعتمد لكافة الأنظمة الملكية حتى يومنا هذا ، و لا ضير في ذلك ما دامت الأبواب الملكية منفتحة على أقطاب العالم كافة ، ولها التقدير ، وكل الاحترام .
في اجتياح " الناتو " للعراق بالتعاون مع إيران عام 2003 الذي أدى لسقوط بغداد و نهوضها ثانية بيد نظام جديد الغى كل ما له علاقة بحزب البعث و الأيدولوجيا القومية ، وحافظ على علاقات قومية دافئة مع الجامعة العربية و الدول العربية ذات الوقت ، و تكررت الصورة الان في سوريا بعد سقوط نظام الاسد بتاريخ 8 ديسيمبر 2024 ، وقدوم نظام النصرة و تحرير الشام بقيادة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع ، و لحين إظهار دستور سوري جديد ، و انتخابات رئاسية سورية جديدة في الشهور القليلة القادمة ، و التي من شأنها تثبيت حكم الشرع ، قائد الثورة سابقا ، و الحكم السوري المدني حاليا ذات الوقت . ولم يعد هناك في سوريا مكان للبعث أيضا ، لكن العلاقات السورية مع الدول العربية تعززت وفي مقدمتها مع الأردن ، و قطر ، و السعودية ، و تركيا . وهكذا ستكون مع الجامعة العربية ،و مع دول العالم و كبرياتها أيضا و بتوازن ، و انتهى شعار " أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " السرابي إلى الأبد ،و اختفت مجسمات و تماثيل زعماء البعث أيضا ، و هو تحول تاريخي متوقع.
يسجل لرئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين شطبه لديون العراق عام 2003 عبر نادي باريس ، و مباشرة من خلال موسكو( من 12،9 مليار دولار إلى 93 % من المبلغ ) ، و حافظت روسيا على علاقات استراتيجية مع العراق الجديد – عراق ما بعد صدام حسين . و لم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في عزل روسيا عن العراق بعد عهد صدام حسين و قدوم النظام العراقي الجديد . و الدول العظمى لا تتوقف عند انهيار نظام ،و تتماشى مع الأنظمة القادمة الجديدة ، و المصالح الدولية استراتيجية مستمرة ،و تحقق الفائدة لكافة الاطراف المتعاونة و المتحالفة ، و أي علاقة لأي دولة مع الغرب لا تلغي العلاقة مع الشرق . وزيارة لوزير خارجية روسيا سيرجي لافروف حديثا برفقة وفد كبير لبغداد لمعالجة عدة ملفات عالقة ، و لقاء بين رئيس جمهورية العراق برهم صالح مع مبعوث الرئيس الروسي بوتين – الكسندر لافرينتيف لبحث العلاقات الثنائية و تنشيطها .
روسيا ولكي يعرف العرب ، دولة ناهضة ، و قطب عملاق مناهض لاحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ،و تغوله على أركان العالم ، و هي منفتحة على الغرب الأمريكي ذات الوقت لإشراكها في حل أزمات العالم وفي مقدمتها ماله علاقة بملف الحرب الأوكرانية، و القضية الفلسطينية العادلة ، وهي باحثة عن السلام و العدالة في الشأن الدولي من منظور القانون الدولي . و تأخذ بعين الاعتبار الدول الهامة في العالم مثل العراق لموقعها الجيو سياسي ، و لمخزونها البترولي الهائل – الخامس على مستوى احتياطي العالم ، و لأهمية العلاقات الروسية مع العرب . ولاتمانع روسيا بالمناسبة وحدة العرب لو تحققت و لبت نداء ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه – زعيم ثورة العرب الهاشمية – و رافعة راية الوحدة العربية من منظور قومي . و الزمن العربي القادم لا يرحم من دون تحثيق وحدة عربية قادرة على الرد على تحديات المشاريع الإسرائيلية و الأمريكية المشتركة التي تتقدمها الان مشاريع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الهادفة لتهجير المواطنين الفلسطينيين و ليس اليهود الرحل ،مقابل تذكير العرب بكرم أمريكا عليهم في الوقت الذي فيه العرب قادرون على أن يكونوا كرماء على أنفسهم بما يملكون من مصادر طبيعية غنية و عالمية القياس و الرقم . و ترامب مثل نتياهو، ومعهم الرواية الإسرائيلية ، لا يقرأون التاريخ الكنعاني و عمقه الحضاري لصالح قضية فلسطين العادلة ، و لا حتى السياسة الحكيمة التي تقر بأن الأردن للأردنيين منذ اتفاقية أم قيس عام 1920 التي نصت على إنشاء دولة عربية ، أي الأردن ، مع خصوصية العلاقة مع فلسطين ، و بأن فلسطين للفلسطينيين ، و مع الهويتين الوطنيتين يلتقي الهم الأردني و الفلسطيني الواحد شرقي النهر وغربيه.